بقلم: محمد نور الدين – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لم يشكل اجتماع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا في موسكو في الأسبوع الماضي مفاجأة بحد ذاتها. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان أعلن قبل أسابيع قليلة ما يشبه “خريطة طريق” حول احتمال عقد لقاءات ثنائية مع سوريا برعاية روسية تبدأ على مستوى الاستخبارات فوزراء الدفاع فالخارجية وأخيراً يلتقي أردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد.
لكن مجرد انعقاد اللقاء على هذا المستوى في موسكو بعد أحد عشر عاماً من الحرب في سوريا والتي كان لتركيا دور بارز فيها في دعم المعارضة، هو محطة مهمة في مسار يفترض، إذا صفت النوايا، أن يفضي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين على جميع الصعد.
لكن السؤال هو، لماذا خطوة لقاء وزراء الدفاع الآن ومن ثم استكمال المصالحة على مستويات أخرى؟
ما يرشح من معطيات ومعلومات أن التطبيع مع سوريا حاجة تركية داخلية وهي حل بعض المشكلات ولا سيما على صعيدي الاقتصاد واللاجئين السوريين. فاستطلاعات الرأي في تركيا تجمع على أن حظوظ أردوغان في الفوز بانتخابات الرئاسة في حزيران (يونيو) المقبل تتراجع لصالح مرشح للمعارضة، شرط أن يكون هذا المرشح مشتركاً لكل قوى المعارضة بما فيهم حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي).
ويدرك أردوغان أن أهم تحديين يواجهانه وفقاً للاستطلاعات هما الانهيار الاقتصادي وانخفاض مستوى معيشة السكان، ومشكلة اللاجئين السوريين الذين يناهزون الأربعة ملايين لاجئ يتسببون بمشكلات اقتصادية واجتماعية وكلّفوا تركيا حتى الآن أكثر من أربعين مليار دولار. وبالتالي فإن بدء حلحلة المشكلات مع سوريا سيؤدي إلى بدء حل المشكلات التي تنعكس سلباً على شعبية أردوغان. ويبدو أردوغان مستعجلاً لتحقيق تقدم ما في هذه الملفات قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية بعد خمسة أشهر.
أما العامل الثاني في التمهيد لاجتماع موسكو فهو الضغوط الروسية في غمرة انشغال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب في أوكرانيا والتي على ما يبدو ستطول ربما سنوات. ويريد بوتين التخفيف من عبء المشكلة السورية وهو الذي دفعه للضغط أيضاً كما على تركيا كذلك على سوريا للقبول بالمصالحة فالتطبيع.
الكلام الآن، بعد اجتماع موسكو، ينقل الوضع من مرحلة إلى أخرى. ويكفي القول إن مجرد رغبة أردوغان باللقاء مع الأسد في وقت لاحق يعكس تغييراً تركياَ جذرياً. فالخطاب التركي والأردوغاني تحديداً كان يرى في الأسد “قاتلاً” ومحرضاً على “إرهاب الدولة” وكان يقول (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2016) إن “الجيش التركي لم يدخل إلى سوريا إلا للتخلّص من حكم الأسد وليس لأي شيء آخر”. أما اليوم فإن مجرد رؤية أردوغان واقفاً إلى جانب الأسد يعني تغييراً بنسبة 180 درجة واعترافاً بفشل سياسة أنقرة في سوريا على مدى الأحد عشر عاماً الماضية. ويمكن لأردوغان عندها أن يحقق أحد أحلامه وهو الصلاة في الجامع الأموي لكن بمعية الأسد وليس من دونه وليعلن بذلك الأسد، كما يقول الأستاذ في العلاقات الدولية حسين باغجي، “الرابح الأكبر” من هذه الانعطافة التركية.
ما بين بدء محادثات التطبيع ووصولها إلى نتائج ملموسة، مرحلة طويلة ومعقدة ومثقلة بالمعوقات والأفخاخ والألغام. فكل قضية دون حلها صعوبات، مثل مشكلة اللاجئين والمجموعات المسلحة في إدلب وانسحاب الجيش التركي والوجود العسكري للأكراد في شرق الفرات وكما الوجود العسكري الأمريكي في تلك المنطقة. لذا يتوقع نظراً لاختلاف الأجندات بين دمشق وأنقرة تباينات في الأولويات والبحث في حلول وسط بحيث يحقق أردوغان بعضاً من رغباته المتصلة بالانتخابات الرئاسية ويبرر الأسد قبوله الاجتماع مع أردوغان بوضع برنامج زمني لتطبيق تعهدات تركيا وبضمانة روسية وربما إيرانية لانسحاب الجيش التركي من سوريا وتفكيك هياكل المجموعات السياسية والعسكرية لقوى المعارضة في إدلب وغيرها. وذلك حتى لا تكون المصالحة خطوة تكتيكية من أردوغان مرتبطة بتقطيع الانتخابات الرئاسية ومن بعدها لكل حادث حديث. وخلف هاتين الرغبتين تصميم روسي على تحقيق “شيء ما” يجعل من الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من خلال إحراجها وحشرها في الزاوية المعترضة والمعارضة لإحلال السلام والاستقرار والمصالحة بين أنقرة ودمشق.
إن مشكلات 11 عاماً بين أنقرة ودمشق لا يمكن حلها، كما يقول آخر سفير تركي في دمشق عمر اونهون، في يومين، لكن في حال كانت محاسبة الذات والرغبة في فتح صفحة جديدة فعلية من العلاقات الجيدة بين البلدين، نكون أمام انقلاب إقليمي كبير ستكون تركيا، كونها بلداً أطلسياً وغربياً، أمام امتحان لا يخلو من الصعوبات الشديدة وربما التداعيات الخطيرة عليها داخلياً وخارجياً.