بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يدخل الرئيس الأمريكي جو بايدن النصف الثاني لولايته، وفي الأفق كوكبة من التحديات تواجه إدارته داخلياً وخارجياً، تبدأ من الكونغرس المنقسم وسيطرة المعارضة الجمهورية على مجلس النواب، وجهود مكافحة التضخم والتأزم الاقتصادي، وصولاً إلى تعقيدات المشهد الدولي ويتصدره الصراع في أوكرانيا، والموقف من الصين والتوتر في شبه الجزيرة الكورية، مروراً بحالة عدم اليقين التي تخيم على الاتحاد الأوروبي.
تسلُّم الجمهوريين رئاسة مجلس النواب يمنحهم دوراً حاسماً في سنّ التشريعات، وسيعمدون إلى عرقلة الكثير منها، بعدما تمكن الديمقراطيون في العامين الماضيين من تمرير القوانين، دون عوائق، بشأن أزمة المناخ والبنية التحتية ودعم أوكرانيا، والموقف المتشدد من روسيا. وأولى المشاكل التي ستواجه الإدارة الديمقراطية إعلان الجمهوريين أجندة تحقيقات صارمة حول قرارات وإجراءات اتخذتها إدارة بايدن. وبعض هذه التحقيقات ذات صبغة انتقامية، وجزء من المعركة على الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبينما يبدو أن الديمقراطيين يصطفون حول رئاسة بايدن، تضرب الانقسامات الحزب الجمهوري وتتعدد فيه الرؤوس الطامحة إلى الزعامة، بينما يبدي الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي لم يعترف إلى الآن بنتائج الانتخابات السابقة، تصميماً على الفوز بترشيح حزبه في انتخابات الرئاسة مرة أخرى العام المقبل.
مع إمساك الجمهوريين بمطرقة مجلس النواب سيتغير المشهد ويتفاقم الصخب، وسيعملون على توظيف أقصى ما في سلطتهم لإحراج البيت الأبيض عبر فتح سلسلة من التحقيقات، بعضها يتصل بقضايا حرجة، وبعضها الآخر له صلة بتداعيات الاقتراع الرئاسي السابق، ولكن لن يكون بمقدورهم الحسم، طالما يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ ويمتلك بايدن حق النقض. والبداية ستكون من إحياء الذكرى السنوية الثانية لهجوم السادس من يناير، الذي نفذه متطرفو الحزب الجمهوري، على مبنى الكونغرس، وستكون هذه المناسبة أول فرصة مواتية للصدام بين الحزبين، وربما تتطور إلى سجالات عنيفة، بحسب ما يتداعى من مواقف وتصريحات من كلا الطرفين.
والنتيجة المستوحاة من كل ذلك، أن المشهد الأمريكي غارق في أزمة عميقة، لم يتم تداركها بعد، ومرشحة لتفاعلات واسعة.
مشكلة الداخل الأمريكي، ليست وليدة اليوم، وربما تكون للمرة الأولى، منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1865، تشهد فيه الولايات المتحدة انقساماً عمودياً حاداً يهز المؤسسات الفيدرالية، مصحوباً بلغة “غير سياسية” يتم التراشق بها بين قيادات الحزبين الكبيرين. وزاد من حدة الأزمة، أن واشنطن تواجه وضعاً دولياً غير مريح يكاد يفلت فيه زمام النظام الدولي من قبضتها. فقد أرهقت أزمة “كورونا” الشعب الأمريكي، ونبهته إلى محدودية قوة الدولة العظمى الأولى.
ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتجد واشنطن نفسها في موقف حرج وهي تقف أمام خصم روسي نووي عنيد، فلم تجد إزاء ذلك سوى دعم كييف بالمال والسلاح وجرّ حلفائها الغربيين إلى اتّباعها، ولكن الوضع لم يتغير، وكلما طالت الأزمة زاد الاستنزاف، وأصبحت الخيارات محدودة بما يربك الوضع الداخلي ويضع نقاط استفهام عديدة حول مآلات الحالة الأمريكية في ظل معمعة من التحديات المتراكمة.