بقلم: جوشوا كيتينغ
الشرق اليوم- أصبحنا اليوم على بُعد سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، بقدر ما كان الناس في تلك الحقبة بعيدين عن الحرب الأهلية الأمريكية، ومع ذلك، تتعدد المناسبات التي تجعلنا نشعر أن الحرب العالمية الثانية مستمرة، إذ يحارب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبح النازيين في أوكرانيا، ولا يكف القادة الغربيون عن ذكر الحرب العالمية الثانية للتأكيد على أهمية التصدي لبوتين.
لكن لم يستمر تأثير إرث الحرب وتداعياتها على الجدل السياسي في أي مكان بقدر ألمانيا واليابان، لا سيما في الشؤون العسكرية، وأصبحت المبادئ المعادية لاستعمال القوة العسكرية راسخة في دستور هذين البلدين اللذين شكّلا جزءاً من دول المحور في زمن الحرب، ويشمل البلدان حركات سلمية قوية لا تزال تتمتع بنفوذ سياسي كبير، ويتكل كلاهما بشدة على الضمانات الأمنية الأمريكية.
لكن بدأ الوضع يتغير الآن، بعد مرور ثمانية عقود على انتهاء الحرب، ويوم الجمعة الماضي، كشفت اليابان خطة دفاعية جديدة تمتد على خمس سنوات وتهدف إلى جعل اليابان ثالث أكبر بلد من حيث الإنفاق العسكري في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، وعلى وقع المخاوف المتزايدة من كوريا الشمالية والصين وبعد الصدمات التي أحدثها غزو أوكرانيا، تعكس هذه الخطة تغييراً ملحوظاً في توجّه البلد الذي يمنعه القانون حتى الآن من الاحتفاظ “بقوات برية أو جوية أو بحرية”، واعتبر رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، تلك الخطة “نقطة تحوّل في سياسة الأمن القومي”.
يشبه تعليق كيشيدا الخطاب الشهير الذي ألقاه المستشار الألماني، أولاف شولتس، في 27 فبراير، بعد ثلاثة أيام على بدء الحرب في أوكرانيا، فقد استعمل شولتس العبارة نفسها واعتبر الغزو الروسي “نقطة تحوّل” تستلزم إعادة النظر بسياسة ألمانيا الدفاعية، ولتحقيق هذه الغاية، تعهد شولتس بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتخصيص مئة مليار يورو إضافي لتحسين الجيش الألماني، فمنذ ذلك الحين، عادت ألمانيا وتعهدت بتقديم أسلحة متقدمة إلى أوكرانيا، فتخلّت بذلك عن موقفها القديم بعدم إرسال أي أسلحة إلى مناطق الصراع.
في أكتوبر أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً فوق اليابان للمرة الأولى منذ عام 2017، وجاء هذا الاستفزاز بعد عشرات التجارب الصاروخية الأخرى على مر السنة الراهنة، هذه التطورات، التي تزامنت مع تنامي المخاوف من غزو صيني محتمل لتايوان وتداعيات الغزو الروسي غير المسبوق لأوكرانيا، تفسّر الأسباب الكامنة وراء تصريح كيشيدا.
في ألمانيا شكك النقاد، محلياً وخارجياً، بواقعية “نقطة التحول” التي تكلم عنها شولتس، حيث تقول الحكومة إن الإنفاق على الدفاع لن يبلغ 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2025 على الأرجح، وقد تأخرت خطة كبرى لشراء 35 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز “إف35″، كذلك تصادمت حكومة شولتس مع أعضاء آخرين من التحالف الداعم لأوكرانيا بسبب رفض ألمانيا منح كييف أنظمة تسلّح محددة، مثل الدبابات القتالية.
تقول أولريكه فرانك من المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية: “أدت نقطة التحول هذه إلى تغيير الثقافة السياسية، ففي ألمانيا، لم نكن نستطيع تحديد موقفنا من دور القوات المسلحة والجيش في الديموقراطيات الليبرالية، حتى أن جزءاً من السياسيين كان يعجز منذ سنتين عن تسمية أي نوع من أنظمة التسلح التي يستعملها الجيش الألماني، لكنهم يقفون اليوم ويلقون خطابات عن إيجابيات وسلبيات البانزرهابيتز (مدافع هاوتزر ألمانية الصنع)”.
تعليقاً على عمق هذا التحول في المراحل المقبلة، تضيف فرانك: “هذا التاريخ لن يزول، وتبقى ذكريات الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة طوال 30 سنة، ثم فترة السلام والهدوء في المرحلة اللاحقة، من التجارب التي حدّدت مواقفنا وستتابع التأثير عليها، لكن الحرب الأخيرة أصبحت مرجعاً تاريخياً إضافياً اليوم”.