بقلم: محمد سيف الجابري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– كانت الحرب الروسية الغربية التي تدار على الأراضي الأوكرانية كاشفة لقوة الدور الأمريكي داخل القارة الإفريقية وماهيته، وإن كانت واشنطن قد تفاجأت بأن أغلب الدول الإفريقية كانت تميل إلى الموقف الشرقي، فلم يمثل هذا الموقف جديداً لأغلب المتابعين لأدوار القوى الدولية والإقليمية داخل القارة وما تلاحظ لهم من خفوت قد أصاب هذا الدور منذ رحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض، وما صاحب ذلك من نمو مطرد لأدوار أخرى كانت تزاحمه فتحولت إلى أدوار طاردة له مثل الدورين الصيني والروسي. فقد كان السير الإفريقي في الركب الشرقي واضحاً جلياً،أيضاً واكبت ذلك القمة الصينية العربية التي تمثلت بثلاث قمم (سعودية – خليجية- عربية صينية) وهي بطبيعة الحال ستؤثر على قوة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، المنطقة الأسخن والأهم في العالم بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وخلال جولة وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن الأخيرة في العمق الإفريقي لحشد الصف الإفريقي خلف الموقف الغربي في الحرب الروسية وما وجده من صدود ورفض الأفارقة أن تتحول القارة إلى ساحة للحرب الباردة الجديدة، أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه القارة الإفريقية، معلناً أنها ستكون الأساس والمنطلق للعلاقات الإفريقية الأمريكية التي ستقوم على الشراكة، وداعياً رؤساء دول القارة إلى القمة الأمريكية الثانية مع إفريقيا بعد ثماني سنوات من القمة الأولى التي عقدت في 2014 وكأنهم تذكروها كمطية لأحداث تقارب مفقود بينهم وبين الأفارقة.
أوضحت الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا مدى الحاجة الأمريكية إلى إفريقيا بسبب تزايد أهميتها السياسية، وهو ما أوضحته الحرب الأوكرانية وكذلك أهميتها الاقتصادية حيث تعد إفريقيا معيناً متخماً بالموارد الطبيعية، حيث تحتوي رمالها على أكثر من 30% من ثروات العالم المعدنية رغم عدم خضوع أكثر من 70% من أراضيها للمسح الجيولوجي، ما يجعل كل ثرواتها مرشحة لزيادة بتوقعات عملاقة خاصة في مجال الطاقة والذهب والماس واليورانيوم والنحاس والكوبالت. كذلك أيضاً أوضحت تلك الاستراتيجية تزايد المخاوف الأمنية في إفريقيا، فهناك حوالي 70% من الملفات التي تناقش داخل أروقة مجلس الأمن الدولي تخص إفريقيا، واتساع المساحات غير المسيطر عليها من الحكومات داخل القارة التي تحولت إلى ولايات ومعسكرات تدريب للجماعات الإرهابية، إلا أن حقيقة الأمر وهو ما لم تخجل الاستراتيجية الأمريكية من ذكره هو محاولة تحجيم الدور الصيني المتنامي في ربوع القارة الإفريقية ومحاولة عزل روسيا عالمياً.
حاولت واشنطن من خلال تلك القمة عرض ورقتين على الطاولة احتوتا على مخرجات تلك القمة، فكانت الأولى هي الترغيب في تبني رؤية واشنطن والتجاوب معها بالدعم المادي الذي وصل إلى تعهدها بتقديم 55 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، بالإضافة إلى ما تعهدت به خلال قمة المناخ في شرم الشيخ لإفريقيا وتبنيها تمكين القارة من التحول الرقمي ومواجهة الأوبئة ومعالجة أزمة الأمن الغذائي والأزمات المناخية ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والنهوض بالسلم والأمن والمساعدة في تحقيق الاستقرار. أما الورقة الأخرى وهي بيت القصيد فقد تلخصت في الترهيب والتخويف من النفوذ الصيني المتزايد وعدم شفافيته، إلا أن تلك الحيلة لن تنطلي على الأفارقة الذين يرون أن تلك القمة هي خطوة غير كافية نظراً لوجود فجوة في الثقة بينهم وبين واشنطن بسبب تخليها عنهم في الكثير من التحديات التي كانوا يواجهونها، لذلك فهم يرونها كشريك استراتيجي غير موثوق به.
وتدرك واشنطن أن الصين هي منافسها الرئيسي في الساحة الدولية خاصة في العمق الإفريقي بعد أن صارت بكين هي الشريك التجاري الأول للقارة الإفريقية حيث بلغت التجارة البينية 254 مليار دولار في 2021 أي ما يعادل أربعة أمثال التجارة البينية الإفريقية الأمريكية.
كذلك وجهت الصين أغلب مشاريعها في الدول الإفريقية إلى البنى التحتية التي لمستها الشعوب وتأثرت حياتهم بها سريعاً فكان لها القبول الشعبي على العكس من الدعم الأمريكي الذي اقتصر أغلبه على النواحي الثقافية والسياسية فلم تشعر بها شعوب تلك الدول.
وحتى الادعاءات الأمريكية بالمُثل الديمقراطية فقد رأى الأفارقة ازدواجيتها حتى في الدعوة إلى حضور الأفارقة لقمتهم معها، فقد رفضت توجيه الدعوة للسودان ومالي وبوركينا فاسو بحكم أن الأنظمة المسيطرة هناك أنظمة انقلابية في حين وجهت الدعوة ليوري موسيفيني القابض على الحكم منذ أكثر من 36 سنة مصحوبة بملفات فساد كثيرة.
ولعل كلمة ماكي ساي رئيس دولة السنغال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي أمام القمة قد أوضحت رأي الأفارقة في سياسة واشنطن تجاه قارتهم دون مواربة حيث قال “من الأهمية الآن أن تتوقف واشنطن عن إلقاء المحاضرات وأن لا تقول لنا افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا لأننا نريد العمل والتجارة معاً”.