بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– المعتاد وبينما العالم يطوي صفحة السنة التي توشك على الرحيل، فإن الأنظار تتطلع بقدر من التفاؤل، الممزوج بالحذر، لإطلالة عام جديد. وتقليدياً يكون العام الجديد بداية لشيء ممزوج ببعض الاختلاف، وإن كانت تبقى في خلفية المشهد، وفي صورته الظاهرة، عوامل مثيرة للقلق من أن يمتد ما كان يشكل أزمات مستحكمة إلى البداية الجديدة والمأمولة.
يحدث ذلك على ضوء عدم اليقين من أزمات لا تزال تمد أذرعها على المسرح العالمي، بداية من حرب أوكرانيا التي قلبت حياة الدول والشعوب كافة، يضاف إليها الركود الاقتصادي العالمي، والتوترات الجيوسياسية بين الصين والدول الغربية، وعدم الاستقرار السياسي في دول متقدمة، فضلاً عن تغير المناخ، وكل ذلك يمثل حلقات متشابكة في سلسلة من القلق عما هو آت في عام 2023.
وإذا كانت حرب أوكرانيا تحتل مركز الاهتمام العالمي، وما تثيره من تساؤلات حائرة عما إذا كان العالم سيشهد نهاية لها في 2023، فإن مساعي السابقين من الخبراء بمستقبل الحروب في سنوات مضت، قد تعطلت على أيامنا هذه، وتوقفت معها ملكاتهم في التقدير بما سيكون.
ولما كانت حرب أوكرانيا تمثل النقطة المحورية فيما يشغل الذين ينتظرون ما يأتي به عام 2023، فإن البدايات للعام الجديد لا يبدو أنها ستهدئ من قلقهم. فمنذ ايام قليلة أجاب على مثل هذه التطلعات الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرغ بقوله، إن الظروف المهيأة لتسوية سلمية لحرب أوكرانيا ليست متاحة الآن.
وجاءت تصريحاته في حوار أجرته معه صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية والتي قال فيها أيضا: يجب على حلف الناتو أن يكون مستعداً لعلاقة صعبة ولوقت طويل مع روسيا.
أزمة أخرى تعد إحدى تبعات حرب أوكرانيا، وإن كانت تمثل مشكلة كبرى قائمة بذاتها، وهي الأزمة الاقتصادية العالمية. وحول التوقعات بشأنها في عام 2023، أعلن صندوق النقد الدولي أن النشاط الاقتصادي سيأتي في تباطؤ، مصحوب بارتفاع التضخم بأعلى مما كان عليه، ومن ارتفاع تكاليف المعيشة، وأن ذلك سوف يؤثر في دول العالم بغير استثناء، بدءاً من الولايات المتحدة وأوروبا.
الكثير من مراكز الفكر السياسي في أمريكا وأوروبا رصدت توجهات أزمات سياسية مختلفة. وقالت إن الدخول إلى عام 2023 بات متأثراً بالعقوبات المتصاعدة على روسيا وبقسوة الشتاء، وأن حكومات عديدة في الغرب سوف تواجه تحديات صعبة، خاصة تلك التي ستشهد في أوروبا على وجه الخصوص انتخابات في عام 2023.
وبنظرة على جانب آخر من أزمات العالم، فإن الصين تشغل قدراً أساسياً من اهتمام الولايات المتحدة، خاصة ما شهدته السنوات الأخيرة من تناقض في المواقف، ما بين تصعيد أمريكا في مواجهة الصين باحتسابها منافساً استراتيجياً، ومن اتجاه أحياناً للتهدئة باعتبار أن البلدين بينهما علاقات مصالح متبادلة. لكن بعض التوقعات ترى احتمالات أكثر نحو التهدئة النسبية بينهما في عام 2023.
ولم يكن الوضع داخل الولايات المتحدة بعيداً عن قياس ما هو محتمل في عام 2023. وهو ما ركزت عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، بنشرها مقالاً للبروفيسور ريتشارد هاسن الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، يحمل عنوان: هل سيكون عام 2024 هو العام الذى ستموت فيه ديمقراطية أمريكا؟ ويقول إن أمريكا ستواجه خطراً في انتخابات الرئاسة لعام 2024، وفى غيرها من الانتخابات التي ستجرى مستقبلاً في سنوات لاحقة
يصل بنا المشهد العالمي إلى ما قد يكون عليه الحال بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وتتضمن بعض التوقعات المنشورة في صحف أمريكية وأوروبية، أن الشرق الأوسط وإفريقيا سوف يطرأ عليهما هبوط بسيط في الصادرات في عام 2023 مع كثير من الواردات، وإن كانت المنطقة مهيأة لنمو صادراتها بفعل حدثين أحدهما إقليمي والآخر يتصل بالعلاقات الخارجية. وبالنسبة للحدث الأول فإن المنطقة بدأت تشهد نمواً فيما يعرف بالتكتلات الإقليمية، فيما بين مجموعة دول متقاربة في الأهداف، وشرعت في إرساء أسس لمشاريع إنتاجية يمكن أن تفتح لها أسواقًا خارجية للتصدير.
وهنا سيأتي مفعول الحدث الثاني، والذي تشهد عليه القدرات على التعامل مع قوتين كبيرتين هما الولايات المتحدة، مثلما جرى في قمة جدة، ومع الصين في القمة العربية الصينية في الرياض.
إن سلسلة من الأزمات التي تكاد تكون متشابكة قد حطت على العالم في 2022، وألحقت أضراراً بالجميع ولم تكن مساعي أطراف الأزمة المحورية (الحرب) بالقدر المطلوب لاحتوائها. ولهذا بدا أن حدوث انفراجة قريبة لها، تقف أمامها سدود وسدود.