بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- كان عام 2022، الذي يعيش أيامه الأخيرة، مليئاً بالمفاجآت والتناقضات ومليئاً بالنهايات غير المكتملة وخيبات الأمل والانتكاسات. لقد كان 2022، قبل كل شيء عام النزاعات الكبرى التي أيقظت مشاعر القلق والتوتر والمخاوف المجهولة المتمددة على جغرافية العالم بأكمله بكل دوله ومجتمعاته وشعوبه.
لم يكد العالم يلتقط أنفاسه مع تراجع الأخطار وأنماط الحياة القاسية التي فرضتها جائحة كورونا، حتى برز وباء جدري القردة في بداية العام ليعيد إلى العالم أجواء الخوف والريبة ويفرض سيطرته على وسائل الإعلام ويصبح حديث الناس. لكن هذا الوباء اختفى بطريقة مفاجئة وكأنه لم يكن. وكان اختفاؤه المفاجئ واحداً من الأحداث الغريبة التي استعصت على الفهم والإدراك. وبدا الأمر وكأن العالم وقع ضحية لخدعة من نوع ما.
وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في أنشطة الجماعات الإرهابية وانحسار خطرها الذي كان يشمل دولاً عديدة، إلا أن التقلبات المتسارعة لم تترك فرصة كبيرة للسلام في العالم. فقد برزت بسرعة المخاطر المتعاظمة للتغير المناخي. وأصبح ما كان يخافه العلماء ويحذرون منه حقيقة واقعة تحصد الأرواح وتحول المناطق الزراعية الخصبة إلى أراض جرداء قاحلة يهجرها أهلها إلى المجهول أو يواجهون الموت جوعاً وعطشاً وغرقاً.
لقد تطرف المناخ بشكل لا سابق له خلال العام 2022، وبرزت مشاهد المشردين بسبب الفيضانات العنيفة والزلازل المدمرة وحرائق الغابات وموجات الحر التي بلغت معدلات غير مسبوقة في التاريخ خصوصاً في أوروبا. أما إفريقيا والمنطقة العربية فقد أصاب الجفاف ونقص المياه أو انعدامها تماماً في مناطق واسعة في دول شرق القارة وفي العراق وبعض أجزاء دول شمال إفريقيا ومصر. وأصبح التهديد للحياة وشيكاً ومتعاظماً.
وعندما يتحدث الناس عن النزاعات الكبرى، فإن الأنظار تتجه مباشرة إلى الحرب الأوكرانية التي انطلقت كنزاع إقليمي بين دولتين لكنها توسعت كثيراً وباتت تنفتح أكثر فأكثر على احتمالات تحولها إلى حرب نووية مدمرة. لقد فاقم استمرار الحرب الأوكرانية من حدة الأزمات القائمة أصلاً في مجالات الطاقة والغذاء. وعززت المخاوف من وقوع شعوب بأكملها ضحية للجوع ونقص الغذاء.
أصبح هذا النزاع الكبير محور التحركات السياسية والدبلوماسية على مستوى العالم، وتضاءلت تبعاً لذلك كل الاهتمامات بمشكلات العالم الأخرى ومعاناة الشعوب الفقيرة الرازحة تحت وطأة النزاعات الإقليمية وفوضى السياسة والفرص المتلاشية للاستقرار والتطور. وباتت احتياجات التنمية والاستقرار والسلام في أنحاء العالم الأخرى قضايا جانبية تقبع في عالم النسيان.
الأزمات وأوضاع عدم الاستقرار في منطقتنا لم يطرأ عليها تغييرات مثيرة أو مفاجآت من أي نوع بل بقيت على حالها المعتاد. لبنان لا يزال يكافح لاختيار رئيس بعد جولات ماراثونية لم يتمكن خلالها من اختيار رئيس جديد. السودان توصل إلى اتفاق إطاري تحيط به المخاطر ومهدد بالفشل كما هو معتاد.
ليبيا تبحث عن انتخابات توحد انقسامها. أما القضية الفلسطينية فلا تزال بانتظار حل عادل لا يبدو أنه قريب المنال. ميلاد مجيد وكل عام وأنتم بخير.