بقلم: سندر كاتوالا – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- مثلت الهجرة عاملاً رئيساً في خيار تأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمن دون فقدان ثقة الجمهور في الآلية التي تعاملت بها الحكومات المتعاقبة من الأحزاب العمالية والمحافظة، مع حجم ووتيرة الهجرة من الاتحاد الأوروبي بعد عام 2004، فقد كان مستبعداً أن نحصل على نتيجة تصويت بفارق ضئيل (52 -48) [في المئة] للخروج من الاتحاد الأوروبي.
سمعنا العديد من الحجج المختلفة لإقناع الأغلبية الضئيلة التي صوتت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يأمل كثيرون في انخفاض الهجرة بشكل كبير، بينما جادلت [وزيرة الداخلية السابقة] بريتي باتيل بأنه سيتم إصدار عدد أكبر من التأشيرات غير الأوروبية “لإنقاذ المطاعم الهندية”، وتم الترويج بشكل عنيف للادعاء بقرب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بين المتخوفين من تزايد أعداد المهاجرين.
لقد مثل إرث هذا القرار مفارقة، إذ إن الهجرة إلى بريطانيا زادت ولم تتقلص، كما أصبحت المواقف تجاهها أكثر إيجابية على رغم أن الجدل السياسي والإعلامي المحتد وشديد الاستقطاب لم يواكب هذه المواقف. لقد ادى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تغييرات كبيرة في سياسة الهجرة، في ظل انتهاء حرية التنقل السائدة في الاتحاد الأوروبي وتطبيق نظام جديد قائم على النقاط.
ركز بوريس جونسون بشكل أقل بكثير على خفض الأرقام وتخلى عن هدف تيريزا ماي القاضي بتقليل صافي أعداد المهاجرين، ولذلك ارتفعت الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي جراء خيارات السياسة التي وضعتها الحكومة لتسهيل بقاء الطلاب الأجانب بعد التخرج، واستقطاب الأطباء والممرضات إلى هيئة خدمات الصحة الوطنية وتخصيص تأشيرة دخول خاصة بسكان هونغ كونغ.
وظلت نسب الهجرة مرتفعة بسبب تلك الخيارات السياسة، كما شهدت الأعداد ارتفاعاً استثنائياً العام الحالي، إذ بلغ صافي عدد المهاجرين نصف مليون، ويرجع ذلك جزئياً إلى التدفق الكبير للاجئين الأوكرانيين.
لا أحد يستطيع أن يدعي أن ذلك حدث لأن الحكومة فرضت أعداداً كبيرة من المهاجرين على جمهور مناوئ للهجرة، وبدلاً من ذلك قام عشرات الآلاف من البريطانيين الذين عبروا عن رغبتهم في استضافة الأوكرانيين في منازلهم بمصارعة الإجراءات البيروقراطية للحصول على تأشيرة.
وتعد الأعداد الكبيرة بمثابة صداع سياسي للحكومة مع ناخبيها، إذ يرغب ستة من كل 10 محافظين بانخفاض العدد الإجمالي، لكنهم لا يفضلون انخفاض أعداد المهاجرين بالنسبة إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية أو الطلاب أو العاملين في مجال الرعاية، كما أنهم سيسمحون لمزيد من حاصدي محاصيل الفاكهة بالمجيء إلى البلاد من أجل العمل.
ثلث ناخبي حزب العمال لا يرغبون في تقليص المستويات الإجمالية للهجرة، ولا يدعم حزب العمال بتحديد هدف لصافي مستوى الهجرة، وبدلاً من الدخول في مزاد لخفض الأعداد يدعو الحزب إلى التركيز على كيفية إدارة قضية الهجرة بإنصاف وتحقيق التوازن بين تدريب القدرات المحلية وبين المهاجرين لسد الثغرات في المهارات، وضمان التمويل العادل للخدمات العامة عندما يتغير عدد السكان، واتباع نهج إيجابي لتعزيز المواطنة والاندماج.
هناك نقاش أكثر احتداماً في قضية الهجرة يتعلق بطلب اللجوء، فلا أحد يعتقد أن الرحلات الخطرة عبر القنال الإنجليزي تدل على نظام لجوء آمن أو يدار بشكل جيد، ومع ذلك فإن الجدل العام والسياسي تعرض إلى لاستقطاب بين مؤيدي الإجراءات الصارمة على أمل ردع أي شخص يطلب اللجوء في بريطانيا، وأولئك الذين يؤيدون وجود نظام لجوء مرحب جداً.
لا يريد معظم الجمهور هذا الاختيار المتناقض بل يثقون بقدرة حكومة كفؤة على تقديم نظام لجوء منظم وعادل وإنساني، ويمثل القيام بذلك تحديات على صعيد جوانب الحجج السياسية كافة، ومع ذلك فإن أولئك الذين يرون أن مراقبة الحدود هي الاختبار الأساس لسيادة مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يمكنهم تحقيق ذلك في الواقع من دون التفاوض مع دول أخرى ذات سيادة مثل فرنسا وبلجيكا.
الحكومات التي تريد الهجرة عبر السبل القانونية ستكافح لإيقاف الاتجار بالبشر إذا لم تكن هذه المسارات متاحة، وبشكل عام فقد تغيرت المواقف تجاه “بريكست”، إذ كانت التغييرات التي طرأت على المواقف أقل أهمية من التحولات بين أجيال الناخبين.
ويعتقد أربعة أخماس البالغين الذين كانوا أصغر من أن يصوتوا عام 2016 أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان خطأً، ولا يزال حزب العمال المعارض حذراً للغاية في شأن فكرة إضفاء مرونة [اقتراح تعديلات] على عملية “بريكست”، وذلك يعكس البعد الجغرافي للناخبين، إذ يتركز الناخبون الليبراليون في المقاعد الحضرية والجامعية أكثر من المناطق التقليدية لناخبي حزب العمال.
يرغب معظم ناخبي حزب العمال في “بريكست” أكثر مرونة، لكن القيادة استبعدت إعادة فتح ملف السوق الموحدة وحرية الحركة، وتراهن بالحفاظ على نظام نقاط لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
إذاً لم يسفر “بريكست” عن انخفاض أعداد المهاجرين كما كان يأمل بعضهم ويخشى بعضهم الآخر، ويمثل ذلك معضلة لمعارضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من الليبراليين المؤيدين للهجرة، وقد يرى بعضهم ميزة تكتيكية في تسليط الضوء على شعور نايجل فاراج بـ “الخيانة”، لأن الأرقام لم تنخفض.
ولكن قد تكون هناك حجة أكثر استراتيجية للترحيب بتوسيع قاعدة الإجماع على الإسهامات الإيجابية التي يمكن أن يقدمها المهاجرون لبريطانيا، مما يخفض أحد الحواجز التي تحول دون إعادة بناء المملكة المتحدة لعلاقات أوثق مع جيرانها الأوروبيين من خارج السوق الموحدة، وربما يوماً ما من داخلها.