بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، مقال تحليلي، يتناول العلاقة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي في ظل المتغيرات التي طالت مسار حركة حماس على المستوى السياسي سواء في قطاع غزة أو على الأصعدة الإقليمية والدولية.
أدناه النص كما ورد في موقع المركز:
بدا واضحاً أن التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد حركة “الجهاد الإسلامي” في الضفة الغربية منذ أغسطس 2022، يلغي الفوارق الجغرافية والعملياتية ما بين الضفة وقطاع غزة، خاصة بالنسبة إلى حركة الجهاد، التي ردت على اغتيال إسرائيل لأحد قادتها العسكريين في منطقة جنين بأن أطلقت عدة قذائف صاروخية من قطاع غزة باتجاه مستوطنات “غلاف غزة”، في 3 ديسمبر 2022. والذي على إثره؛ وجهت إسرائيل ضربات جوية محدودة لقطاع غزة، دفعت بحركة حماس المسيطرة على القطاع بالإعلان عن تصدي دفاعاتها الجوية للغارات الإسرائيلية التي لم توقع إصابات.
تأتي هذه الحادثة، بعد عام ونيف، من تصعيد عسكري كبير شهده قطاع غزة، بين حركة حماس وإسرائيل، أفضى في النهاية إلى هُدنة توقف بموجبها إطلاق النار، وتوصلت أطرافه عبر وساطات دولية وإقليمية إلى تفاهمات الأمنية، وعقبها انخراط الحركة بمفاوضات مع إسرائيل بُغية تبادل للأسرى.
وعليه؛ فإن اتخاذ حركة الجهاد الإسلامي من قطاع غزة، ميدان ثانٍ لها للتصعيد ضد إسرائيل، قد يفرض انعكاسات على تفاهمات حماس-تل أبيب الضمنية، وكذلك على مسار حركة حماس السياسي الجديد، الذي تسعى من خلاله لتعزيز مكانتها ومصالحها الإقليمية والدولية، وبالتالي على طبيعة العلاقات الدقيقة ما بينها وبين حركة الجهاد.
حماس والجهاد: علاقات معقدة
العلاقات ما بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الأساس علاقات معقدة، وقائمة على توازنات دقيقة، وانتقلت من مرحلة “التنافس الحزبي” بين الحركتين إلى مرحلة “المركز والأطراف” بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في العام 2007.
ودخلت طوراً جديداً يعزز تلك العلاقة بحكم تفاهمات حماس الأمنية مع إسرائيل برعاية مصرية وقطرية، وهي التفاهمات التي ظهرت في أوضح صورها خلال التصعيد العسكري ما بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي، إثر قيام إسرائيل باغتيال القائد العسكري في حركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري ومجموعة من نشطاء حركة الجهاد في غزة في الخامس من أغسطس 2022، وموقف حماس الذي اتسم بالدبلوماسية وعدم التدخل العسكري من قبل كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس.
لكن موقف حماس أخذ منحى أكثر صرامة حين قام جهاز أمنها الداخلي باعتقال ناشطين اثنين من جماعة متشددة لم يعلن عن اسمها في 5 نوفمبر 2022 بسبب تورطهما في إطلاق قذائف صاروخية باتجاه إسرائيل في 4 نوفمبر 2022، وهو ما حمل رسالة أن حماس لن تتهاون مع مطلقي القذائف الصاروخية بوصفها محاولة لتخريب التفاهمات الأمنية مع إسرائيل.
الطريق المسدود
عدم الإعلان الرسمي من قبل حركة الجهاد الإسلامي عن المسؤولية عن إطلاق القذائف الصاروخية الأخيرة ربما كان لعدم إحراج حماس وتفاهماتها الأمنية مع إسرائيل، لكن من المحتمل أنه كان بسبب حالة “تمرد” من قبل مجموعات عسكرية تابعة لحركة الجهاد ترفض الالتزام بتفاهمات حماس الأمنية، خاصة في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد كوادر الجهاد في منطقة جنين في الضفة الغربية.
وسيعمل التصعيد الإسرائيلي المتوقع استمراره في الضفة الغربية على تعميق أزمة حركة الجهاد الإسلامي في حالة استمرارها باحترام تفاهمات حماس على المدى القريب، وقد يعمل على خلق أزمة داخل حركة حماس ذاتها، خاصة إذا وصل ذلك التصعيد إلى حالة من العنف والضحايا والمساس بالمسجد الأقصى، وهي حالة لا يحتملها الشارع الفلسطيني، بما في ذلك أنصار حماس على المدى البعيد.
في المدى القريب قد نشهد قراراً بالرد العسكري من قبل حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بما يشبه التمرد على سلطة حماس وتفاهماتها الأمنية، وهو ما قد يفتح الباب أمام احتمالات الصدام ما بين حماس والجهاد، وفي المدى البعيد قد نشهد انهياراً كبيراً في الأوضاع الأمنية برمتها إذا قامت حماس بالمشاركة في الرد العسكري على التصعيد الإسرائيلي انطلاقاً من قطاع غزة.
وأخيراً؛ فإن مستقبل علاقات حماس بحركة الجهاد الإسلامي مرهون بجملة من المحددات، أهمها مستوى التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقوة علاقات حماس العربية الرسمية ومصالحها السياسية وحساباتها الإقليمية، وهي محددات سريعة التغير في واقع قد ينفجر في أي لحظة.