بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ما كشفته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في تصريحاتها لصحيفة “تسايت” الألمانية، مؤخراً، حول اتفاقات “مينسك” التي أنهت حرب عام 2014 في أوكرانيا، يثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات عن نمط التفكير الغربي السياسي والأخلاقي في التعامل مع قضايا عالمية حساسة، بقدر ما يثير، في نفس الوقت، السؤال التقليدي، عما إذا كانت روسيا قد تعرضت للخديعة؟
ما قالته ميركل لتلك الصحيفة من أن اتفاقات “مينسك” التي وقعت في عام 2015، بضمانة ألمانية فرنسية أنذاك، لم تكن قابلة للتنفيذ وإنهاء الأزمة في شرق أوكرانيا، وإنما كان هدفها منح كييف الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة روسيا، كون حلف “الناتو” لم يكن قادراً على إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة خلال تلك الفترة، بذات الوتيرة التي يقدمها اليوم، وهو ما يفرض إعادة قراءة المشهد من زاوية أخرى، على الرغم من وضوح أحقية روسيا في القيام بعمليتها العسكرية الجارية في أوكرانيا.
الحقيقة الواضحة اليوم هي أن روسيا تعرضت للخداع بشكل متعمد، رافقه تضليل إعلامي هائل حشد فيه الغرب ماكيناته الإعلامية والسياسية الضخمة للتغطية على أهدافه الحقيقية، وإبقاء موسكو في موضع الاتهام وتحميلها مسؤولية الحرب في أوكرانيا ووضع العالم على شفير المواجهة النووية. لكن الغرب لم يفعل أي شيء لتجنب مثل هذه المواجهة، بل اتضح أنه تعمد عدم تطبيق اتفاقات “مينسك”، ومواصلة إمداد أوكرانيا بالسلاح وتأسيس بنية تحتية لإقامة قواعد لحلف “الناتو” بمحاذاة الحدود الروسية، علاوة على رفضه أخذ الهواجس الأمنية الروسية في الاعتبار بما في ذلك إعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة. وهو ما يكشف، أن الغرب لم يأخذ الحوار مع موسكو على محمل الجد، أو يتعامل معها كشريك مفاوض، بقدر ما كان يرى فيها عدواً أبدياً ويتمسك بمنهجة الاستعلائي ونظرته الدونية لها.
ما كشفته تصريحات ميركل يمثل ذروة السخرية السياسية، وربما يفضح أخلاقيات التعامل الغربي، ليس مع روسيا فقط، وإنما على امتداد العالم، فميركل التي تركت بصمة واضحة في الاتحاد الأوروبي وكانت حاضرة في فض كل النزاعات التي تحدث بين دول الاتحاد بالحكمة والاعتدال، ومثلّت في يوم ما بوصلة اتجاهات السياسات الأوروبية، ما أكسبها احتراماً واسعاً داخل القارة العجوز وخارجها، أتاح لها بناء علاقات ثقة مع الكرملين الذي كان دائماً ما يأخذ مواقفها في الاعتبار. لكن ذلك كله تبخر دفعة واحدة، إذ إن العلاقات الدولية لا يمكن أن تبنى وتستمر على الخداع والتضليل، كما أن الاتفاقات الموقعة تعتمد على الثقة والضمانات، فكيف إذا كانت ميركل هي الشاهد والضامن بجانب فرنسا لاتفاقات “مينسك”.
وقد يكون السؤال الأكثر الحاحاً اليوم، هو كيف لروسيا أن تقبل الدخول في مفاوضات جديدة لإيجاد حل للأزمة الأوكرانية، وبات من حقها الحديث عن الثقة والضمانات ومع من تتفاوض، وإن كان من المشكوك فيه أن تتراجع روسيا عن تحقيق أهدافها الكاملة ليس في أوكرانيا فحسب وإنما في مجمل علاقاتها مع الغرب.