الرئيسية / الرئيسية / Foreign Affairs: كيفية تجنب حرب باردة جديدة في عصر متعدد الأقطاب

Foreign Affairs: كيفية تجنب حرب باردة جديدة في عصر متعدد الأقطاب

بقلم: المستشار الألماني أولاف شولتز

الشرق اليوم- إن العالم يمر بمرحلة فارقة في تاريخه، إذ يشهد تحولا جذريا بعد أن وضع العدوان الروسي على أوكرانيا حدا لحقبة زمنية.

وظهرت قوى جديدة أو عادت إلى الظهور مجددا، من بينها الصين “القوية اقتصاديا والصارمة سياسيا”.

وهناك دولا وأنماطا مختلفة من الحكومات في هذا العالم الجديد تتنافس على السلطة والنفوذ.

تبذل ألمانيا كل ما في وسعها للدفاع عن نظام دولي قائم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتعزيزه.

انعطافة تتجاوز أمن أوروبا

ديمقراطية ألمانيا وأمنها وازدهارها تعتمد على القوة الملزمة للقواعد المشتركة، مشيرا إلى أن هذا هو السبب في أن الألمان عازمون على أن يصبحوا الضامن للأمن الأوروبي الذي يتوقعه منهم حلفاؤهم، وبناة جسور داخل الاتحاد الأوروبي ودعاة حلول متعددة الجوانب للمشاكل العالمية.

واعتبر شولتز أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع ألمانيا من خلالها تجاوز الخلافات الجيوسياسية في العصر الراهن بنجاح.

وباعتقاده أن الانعطافة التاريخية هذه تتجاوز الحرب في أوكرانيا وقضية الأمن الأوروبي، والسؤال المركزي -برأيه- هو ما إذا كان الأوروبيون والاتحاد الأوروبي سيظلون أطرافا فاعلة مستقلة في عالم تتعدد أقطابه على نحو مطرد.

بمقدور ألمانيا وأوروبا المساعدة في الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد دون الخضوع لوجهة النظر “القَدَرية” التي تؤمن بأن العالم محكوم عليه بالانفصال مرة أخرى إلى كتل متنافسة.

ووفقا للمقال، فإن تجربة ألمانيا في الانشطار إلى دولتين (شرقية وغربية) في الماضي تمنحهم قدرة خاصة على إدراك المخاطر التي تنطوي عليها حرب باردة جديدة.

نهاية حقبة

لقد كانت العقود الثلاثة التي أعقبت سقوط الستار الحديدي فترة سلام وازدهار نسبيين بالنسبة لمعظم دول العالم، فقد أحدث التطور في مجال التكنولوجيا مستوى غير مسبوق من التواصل والتعاون.

كما أدى نمو التجارة الدولية وسلاسل القيمة والإنتاج الممتدة على نطاق العالم والتنقلات غير المسبوقة للبشر وتبادل المعارف عبر الحدود إلى إخراج أكثر من مليار شخص من براثن الفقر.

على أن الأهم من ذلك أن المواطنين “الشجعان” في جميع أنحاء العالم تمكنوا من الإطاحة بالدكتاتوريات وحكم الحزب الواحد، وأن توقهم إلى الحرية والكرامة والديمقراطية غيّر مجرى التاريخ.

ويزعم كاتب المقال أن نظاما عالميا جديدا أكثر مرونة بدا وكأنه قد ترسخ أخيرا، وتحديدا بحلول تسعينيات القرن الماضي بعد ما يزيد على 4 عقود من التوتر وقدر كبير من المعاناة التي أعقبت حربين عالميتين مدمرتين “تسببت فيهما بلادي”، على حد تعبيره.

وبرر شولتز محاولات بعض الدول الأعضاء السابقين في حلف وارسو للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، مستشهدا بمقولة لمستشار ألمانيا الأسبق فيلي برانت “إن من ينتمون إلى بعضهم البعض يمكنهم النمو معا”.

وقدم سردا لتطورات الأحداث في أعقاب سقوط الستار الحديدي، إذ بدا من الممكن أن تصبح روسيا شريكا للغرب بدلا من العدو الذي كان عليه الاتحاد السوفياتي.

ونتيجة لذلك، قلصت معظم الدول الأوروبية جيوشها وخفضت ميزانياتها الدفاعية، وتحول تركيز السياسات الأمنية والدفاعية لألمانيا إلى التهديدات الملحة الأخرى، مثل الحروب في منطقة البلقان وتوابع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بما في ذلك الحربان في أفغانستان والعراق، مما زاد أهمية إدارة الأزمات الإقليمية والعالمية، وأدى إلى تفعيل البند الخامس الخاص بالدفاع المشترك الوارد في معاهدة حلف الناتو، وتجلى ذلك في انخراط قوات الحلف معا في محاربة “الإرهاب” في أفغانستان.

استنتاجات مختلفة

وأورد المقال أمثلة على المكاسب التي جنتها الدول من حقبة السلام النسبي، وتمثل ذلك في الفرص التجارية التي أتيحت إثر سقوط الستار الحديدي حيث بات الاقتصاد العالمي “أكثر تكاملا” من أي وقت مضى، واستفادت منها بلدان كثيرة، ليس فقط في الكتلة الشرقية السابقة ولكن أيضا في دول أخرى ذات اقتصادات ناشئة، خاصة الصين، وأثبتت روسيا -بمواردها الهائلة من الطاقة والمواد الخام الأخرى- أنها مورد موثوق به خلال الحرب الباردة، وبدا من المعقول -على الأقل في البداية- توسيع تلك الشراكة الواعدة في وقت السلم.

وقد كانت القيادة الروسية شاهدة على تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، إلا أنها توصلت إلى استنتاجات مختلفة اختلافا حادا عن تلك التي استخلصها القادة في برلين والعواصم الأوروبية الأخرى.

وبدلا من أن يرى في الإطاحة السلمية بالنظام الشيوعي في بلاده فرصة لإشاعة مزيد من الحرية والديمقراطية وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، وأدى الاضطراب الاقتصادي والسياسي في أجزاء من منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي في التسعينيات إلى تفاقم الشعور بالخسارة والألم الذي يربطه العديد من المواطنين الروس حتى يومنا هذا بانهيار الاتحاد السوفياتي.

نهج انتقامي

خلال السنوات الـ8 التي أعقبت ضم روسيا “بشكل غير قانوني” شبه جزيرة القرم واندلاع الصراع في شرق أوكرانيا ركزت ألمانيا وشركاؤها الأوروبيون والدوليون في مجموعة الدول السبع الكبرى على حماية السيادة والاستقلال السياسي لأوكرانيا، ومنع المزيد من التصعيد من قبل روسيا والحفاظ على السلام في أوروبا.

وكان النهج المختار مزيجا من ممارسة ضغط سياسية واقتصادية اقترنت بإجراءات تقييدية على روسيا بالحوار.

ويرى المستشار الألماني أن على العالم ألا يدع بوتين يمضي قدما في تحقيق مآربه، وينبغي وقف نهجه “الإمبريالي الانتقامي”، مشددا على ضرورة استثمار ألمانيا في جيشها، وتقوية صناعتها الدفاعية، وتعزيز وجودها على الجناح الشرقي لحلف الناتو، وتدريب وتجهيز القوات المسلحة الأوكرانية.

ويضيف أن القضية المطروحة الآن تكمن في التهديدات التي يجب على الحلفاء مواجهتها في أوروبا، وأكثرها إلحاحا تلك التي تأتي من روسيا وتشمل الهجمات المحتملة على أراضي الحلفاء، والحرب الإلكترونية، وحتى الاحتمال البعيد لشن هجوم نووي والذي لم يلوح به بوتين بذكاء، على أنه يصر على ضرورة ألا تؤدي تصرفات الناتو إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، ومع ذلك فهو ينصح الناتو بردع أي عدوان آخر تشنه موسكو.

ذهنية وأدوات مختلفة

إن فترات السلام والازدهار النسبي في تاريخ البشرية مثل تلك التي عاشها معظم العالم في أوائل حقبة ما بعد الحرب الباردة يجب ألا تكون فترات توقف نادرة أو مجرد انحرافات عن قاعدة تاريخية تملي فيها القوة الغاشمة القواعد.

ويستدرك شولتز بأن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ودرء العدوان والإمبريالية في عالم اليوم المعقد ومتعدد الأقطاب يجعلان تنفيذ هذه المهمة أكثر صعوبة.

وفي سبيل حماية الديمقراطية والدفاع عن القيم الديمقراطية يجب على ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجموعة الدول الصناعية السبع وحلف الناتو تقوية تحالفاتهم وشراكاتهم، كما يجب عليها أيضا تفادي إغراء تقسيم العالم مرة أخرى إلى كتل.

وشدد المقال على أن الغاية من تعزيز السلام والازدهار وحرية الإنسان في عالم اليوم المترابط تتطلب عقلية مختلفة وأدوات مختلفة “وهو لب موضوع انعطافة التاريخ”.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …