الرئيسية / مقالات رأي / ماذا يريد أردوغان من الشمال السوري؟

ماذا يريد أردوغان من الشمال السوري؟

بقلم: عمرو فاروق – النهار العربي

الشرق اليوم- لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أرودغان يثير الجدل بشأن مواقفه وقراراته السياسية في المنطقة العربية، والتي اشتعلت مؤخراً منذ إعلانه استمرار التدخل العسكري في الشمال السوري، تحت غطاء عملية “المخلب – السيف”، التي دُشّنت بسلسلة غارات جويّة استهدفت مناطق عين العرب (كوباني) وعين عيسى وتل رفعت في الريف الحلبيّ، بالتزامن مع غارات مماثلة على منطقة عين دقنة في ريف حلب الشماليّ.

استغلت اسطنبول تفجير “ميدان تقسيم”، في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للترويج للعمل العسكري في الشمال السوري، بعد اتهامها “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، و”وحدات حماية الشعب الكردي”، بالوقوف خلف تلك العملية المسلحة التي نفذت في أكثر مناطقها رواجاً للسياحة الداخلية.

العملية العسكرية البرية المرتقبة، التي ألمح إليها الرئيس التركي، تهدف إلى إعلان نجاح أنقرة في إنشاء “منطقتها الآمنة” في شمال سوريا، وتطهير المدن الواقعة على طول حدودها الجنوبية من الميليشيات التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”، والتي من شأنها دفع “قوات سوريا الديموقراطية” إلى تعليق دورها في مواجهة تنظيم “داعش”.

وضعت أنقرة “وحدات حماية الشعب الكردي” على قوائم الإرهاب، وتعد المكون الرئيسي لـ”قوات سوريا الديموقراطية” التي تسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري، وتتلقى دعماً سياسياً ولوجستياً من الولايات المتحدة على امتداد السنوات الماضية، باعتبارها شريكاً أساسياً في تفكيك الخلايا “الداعشية”.

ولا تزال الكواليس المختبئة خلف الأبواب المغلقة بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا، على المستوى السياسي والدبلوماسي والأمني، لم تحقق أي نتائج إيجابية في ما يخص العملية البرية العسكرية المرتقبة، في ظل إدانة واشنطن وموسكو للهجمات الجوية الأخيرة في سوريا والعراق.

وتتضمن أجندة المشروع التركية في الشمال السوري، مجموعة من المصالح على مستوى السياسة الداخلية،أهمها محاولة ترميم سمعة “حزب العدالة والتنمية” التي تراجعت لأدنى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التدهور الاقتصادي، وانهيار قيمة الليرة التركية، فضلاً عن آمال أردوغان في الاستمرار لولاية رئاسية ثالثة، وبسط نفوذه الخارجي في بناء ما يعرف “تركيا الكبرى”، أو “الدولة العثمانية الجديدة”.

تحت مزاعم مواجهة تنظيم “داعش”، ومحاصرة “التهديد الكردي”، وصناعة المنطقة الآمنة بمسافة 30 كلم على حدوها الجنوبية، وسّعت أنقرة نفوذها السياسي والثقافي والعسكري في مناطق الشمال السوري، بعملياتها العسكرية التي بدأتها عام 2016، تحت مسمى “درع الفرات” في مدن جرابلس والباب وأعزاز، وتلتها عملية “غصن الزيتون” عام 2018، ثم عملية “نبع السلام”، التي نفذتها في مدينتي تل أبيض ورأس العين عام 2019.

تجاوزت تحركات أنقرة الأهداف السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى الأهداف الجغرافية، التي تعمل على تحقيقها وفق “استراتيجية التتريك” بهدف طمس هوية مدن الشمال السوري، ومعالمها التاريخية، وإحلالها بطابع تركي عثماني.

التغيير الديموغرافي، بدأته أنقرة، من خلال اعتماد اللغة التركية في المناهج التعليمية، والمؤسسات العامة، ووسائل الدعاية والإعلان المحلية، واستبدال أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات والمساجد بأخرى تركية، والتوسع في مشاريع البنية التحتية، وبناء عشرات المؤسسات التجارية، وفرض التعامل بالليرة التركية.

وفي إطار تغيير نسيج المدن السورية، استبدلت أنقرة شبكات الاتصالات الداخلية بشركات تركية، وسيطرت على المجالس المحلية، وهيئات البريد، والمدارس والجامعات والمؤسسات المالية والبنوك، والهيئات القضائية والمحاكم، والمعاهد الدينية، والشرطة المحلية، وأخضعتها لأجهزتها الاستخباراتية والأمنية، وكذلك تحكمت في تحديد نوعية المحاصيل الرزاعية، تبعاً لاحتياجاتها التسويقية والتجارية.

لا شك في أن الانسحاب الأمريكي في آذار (مارس) 2019، عزز من نشر أنقرة قواتها العسكرية وتسيير دورياتها الأمنية وإطلاق طائراتها الاستطلاعية بشكل منفرد في المناطق والمدن السورية، وتدشينها لمكوّن عسكري جديد، في إطار دمج الفصائل السورية الموالية لها، المتمثلة في “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية للتحرير”.

أنشأت أنقرة قواعد عسكرية ضخمة على طول حدودها الجنوبية ودرّبت وموّلت ما يزيد على أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، وسيطرت على مناطق غنية بالثروات الطبيعة من النفط والغاز والأراضي الزراعية، بهدف صناعة حائط صد أمام بناء دولة كردية.

تبرر أنقرة تدخلاتها في العمق السوري وفق “اتفاقية أضنة”، التي تمنحها الحق في القيام بعملياتها المسلحة لحماية حدودها وأمنها القومي، والتي أبرمتها مع النظام السوري، إبان مرحلة الرئيس حافظ الأسد في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، وتنص على التعاون التام بينهما في “مكافحة الإرهاب”، ووقف كل أشكال الدعم المقدم لـ”حزب العمال الكردستاني”، وإغلاق معسكراته في سوريا.

لم يخف الرئيس أردوغان تدخلاته ومطامعه في الداخل السوري، والتي نقلتها شبكة “T.R.T”، في 25 آب (أغسطس) 2022، بقوله: “سنواصل حربنا ضد التنظيمات الإرهابية في كل مكان، وسنستمر في عملياتنا العسكرية، ويمكننا أن نأتي في أي لحظة وإلى أي مكان”.

الموقف التركي الراهن، يمثل في ذاته سياسة توسعية مُخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وينذر بعواقب غير محمودة في ظل وجود ما يزيد على 900 جندي أمريكي، يقاتلون إلى جانب “قوات سوريا الديموقراطية” تنظيم “داعش”، فضلاً عن الدعم المطلق من موسكو وطهران لحماية المكون الكردي، وتعهدات دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا، بالحفاظ على الهوية الكردية.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …