بقلم: ناصر زيدان – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- شعر الأوروبيون أن نتائج التوتر القائم في أوكرانيا، والخلاف الأمريكي – الصيني، سيكونان على حسابهم. وكما في التهديدات العسكرية التي تشكلها الاندفاعة الروسية، كذلك في الصراع التجاري والجيوسياسي القائم بين واشنطن وبكين، فإن الأوروبيين هم الذين سيسددون قيمة الفاتورة الباهظة الثمن لهذا الصراع، في الأمن وفي الاقتصاد. وقانون ضبط التضخم وحماية الصناعة الأمريكي، سيؤذي الصناعة الأوروبية، ربما أكثر مما سيؤثر بمثيلاتها في الصين، ذلك أن أي دعم للشركات الأمريكية سيؤدي حكماً إلى تعثر عند الشركات الأوروبية، لاسيما في قطاع صناعة السيارات.
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن في أول ديسمبر/كانون الأول، كانت استثنائية بكل المقاييس. ومحفظة ماكرون حملت تفاصيل كل الملفات المشتركة، من الأمن إلى التجارة إلى الغاز إلى الموضوعات الإقليمية الساخنة، حيث تتخوف فرنسا وأوروبا بشكل عام من أن تصبح القارة بكاملها ضحية للحرب الجارية في أوكرانيا، كما تخشى أن تكون التسويات على حساب القارة. والتسويات ليست طموحاً مستبعداً، بل هي واقع قد يفرض نفسه في أي لحظة، وفقاً لما برز بوضوح في قمة بالي لمجموعة العشرين.
يمكن قراءة جزء أساسي من نتائج القمة بين الرئيسين بايدن وماكرون من البيان الختامي الذي صدر في نهاية المباحثات، ومن تصريحات كل من الزعيمين، ومن حفاوة الاستقبال ومظاهر الارتياح الشخصي التي بدت عند ماكرون.
والواضح أن هناك اتفاقاً على مواجهة طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ولكن في الوقت ذاته، هناك تفاهم على التحاور معه لإيجاد حل للأزمة. وبايدن أبدى استعداداً للقاء بوتين إذا ما أبدى الأخير رغبة واضحة لإيقاف الحرب، وماكرون قال: إنه سيتصل فور عودته ببوتين لمعالجة قضايا ملحة، ومنها ملف أمن المحطات النووية في أوكرانيا والبحث في مسألة الضمانات الأمنية لروسيا.
استطاع ماكرون إقناع نظيره الأمريكي بضرورة إعادة النظر بكلفة النفط والغاز الأمريكي الباهظ الثمن قياساً بسعر الغاز الروسي، لتتمكن دول الاتحاد من الاستدارة بالكامل نحو الغرب، وفرض سقف الأسعار على النفط الروسي، والذي اتفقت دول الاتحاد الأوروبي أن يكون بحدود 60 دولاراً للبرميل الواحد. وهذا المطلب يساعد في الحد من الاعتراضات الشعبية التي بدأت تتنامى في أوروبا، وبعضها يطالب بإعادة مدّ الجسور مع روسيا، للهروب من “الابتزاز” الأمريكي، وللحصول على طاقة رخيصة تؤمن الحصول على التدفئة والكهرباء بكلفة أقل مما هو عليه الحال اليوم. ومن الواضح أن ماكرون ذهب إلى واشنطن لتبديد مثل هذه الأجواء، ولتوضيح المقاربات التي تحدثت عن تآمر دولي لتقويض نفوذ القارة الأوروبية.
ماكرون غمز من قناة الزيارة التي يقوم بها المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين، في قوله: “إن التحالف مع الولايات المتحدة أهم من أي شيء آخر”. وفي هذه الإشارة رد واضح على التسريبات التي تتحدث عن نوايا لدى بعض الدول الأوروبية للمناورة، والعمل على ألا تكون الساحة الأوروبية مكاناً لتصفية حسابات عسكرية وتجارية بين الولايات المتحدة من جهة وبين الصين وروسيا من جهة ثانية. وقد تبين أن بعض الدول الأوروبية اشترت الغاز الروسي من شركات هندية وصينية، وهذه استوردت فائضاً عن حاجتها من روسيا بأسعار تفاضلية، ووصل إلى أوروبا بأقل كلفة من الغاز الأمريكي.
يبقى جانب غامض من زيارة ماكرون إلى واشنطن، وهو ما يتعلق بالملفات الإقليمية الساخنة، خصوصاً موضوع إيران – بشقيه النووي والداخلي – وقد أكد الجانبان منع إيران من امتلاك سلاح نووي. ولم يتضح حتى الآن مدى جدية الاتفاق بين الطرفين الأمريكي والفرنسي حول الملف اللبناني، لا سيما دعوتهما لضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، والفريقان تباعدا في الرؤى حول هذا الموضوع منذ فترة، بانتظار إعادة إحياء التفاهم الثلاثي الذي أعلن عنه في سبتمبر/أيلول على هامش المنتدى السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
بايدن قال: “إن الاجتماع مع ماكرون مهم جداً للاستقرار العالمي”، وماكرون اعتبر أن “التحالف مع أمريكا من أقوى التحالفات”. هل ستكون القمة استثنائية بالفعل، في زمن استثنائي بكل المقاييس؟