بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي
الشرق اليوم- ساد لغط كبير في إيران إثر تصريحات المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري التي أوحى فيها بأن “شرطة الأخلاق” التي قتلت الشابة مهسا أميني في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، إثر اعتقالها بتهمة عدم مراعاة طريقة لبس الحجاب الإلزامي، قد جرى حلها، وأن الجهة التي أنشأتها هي التي حلتها! ولم يشر منتظري إلى الجهة بالإسم، ولم يذهب إلى أبعد في تصريحه الذي أتى في أعقاب تصريحات أخرى له كشف فيها أن البرلمان يعمل على إدخال تعديلات على قانون إلزامية الحجاب الذي تشددت فيه السلطات الإيرانية أكثر بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية، وهو المتشدد الراديكالي الآتي من رأس السلطة القضائية، والذي سبق أن أطلق عليه لقب “سفاح طهران” بعدما كان أحد ثلاثة قضاة في مطلع ثمانينات القرن الماضي أصدروا أحكاماً بالإعدام بحق خمسة آلاف معارض للنظام. وقد نُفذ قسم كبير منها!
بعد مقتل مهسا أميني في أحد مراكز “شرطة الأخلاق” في طهران، انتفضت النساء الإيرانيات احتجاجاً على الجريمة، وكانت الاحتجاجات عارمة، وما لبثت أن عمّت مئات المدن والبلدات الكبيرة في أنحاء إيران. وما من شك في أن قضية المرأة في إيران تعتبر مركزية، نظراً إلى الظلم اللاحق بها على مختلف المستويات، لكن ما بدا لافتاً في ما بعد أن موجة الاحتجاجات تجاوزت مسألة المرأة لتشمل قضية التعايش بين الشعب والنظام في إيران. ومن جهته، لم “يبخل” النظام في ممارسة القمع الدموي ضد المحتجين، إذ قتل ما يربو على خمسمئة شخص، بينهم أكثر من ستين قاصراً وسبعين امرأة وفتاة، كما اعتقل أكثر من ثمانية عشر ألف شخص زُجّوا في السجون، فيما حكم بالإعدام على عدد من المحتجين.
والحقيقة أن الاحتجاجات التي بدأت كرد فعل على قتل مهسا أميني التي تحولت إلى رمز، ليس للمرأة الإيرانية وحدها، بل لكل الإيرانيين ارتقت إلى حالة ثورية ضد النظام وأسسه السياسية والأيديولوجية. المواجهة الشجاعة التي مارسها مواطنون إيرانيون عزّل ضد نظام مدجّج بالسلاح ومستعد للقتل العمد في كل حين، كانت مؤشراً إلى أن المواجهة هي ضد النظام نفسه، لا ضد قانون الحجاب الإلزامي، أو “شرطة الأخلاق” بحد ذاتها. لقد ثبت أن موجة الاحتجاجات هي بداية ثورة عارمة ضد كل ما يمثله النظام الإيراني. فنزول المرأة الإيرانية إلى الشارع كان بمثابة إعلان حرب على أيديولوجية النظام ورجعيته واستغلاله الدين لحشر عشرات الملايين من الإيرانيين في سجن كبير. ولذلك رأينا كيف تم استهداف العمائم في الشارع كرمز للنظام وليس كرمز للدين بحد ذاته. أكثر من ذلك، يمكن القول إن إحراق وتدمير نصب تذكارية ولافتات مخصصة لتمجيد شخصيات من النظام، مثل الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، والمرشد الحالي علي خامنئي، وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، شكلت كلها مؤشرات إلى أن موجة الاحتجاجات هذه المرة هي ضد الجمهورية الإسلامية برمّتها، وكل ما تمثله في السياسة والأيديولوجيا والقيم. إنها ثورة قيمية وثقافية وسياسية يستحيل اختزالها بقضية مهسا أميني وحدها. فقضية مهسا أميني كانت الشرارة التي أطلقت الثورة المستمرة منذ ما يقرب الثمانين يوماً على التوالي.
وبالتالي، فإنه بعد قتل ما يقرب من خمسمئة مواطن أعزل في الشارع، لم تعد ثمة أهمية للتلطي خلف البرلمان الإيراني الذي هو بالنهاية مجرد واجهة تشريعية بيد رأس النظام، المتمثل بتحالف المؤسستين الدينية والعسكرية الذي يحكم البلاد بقوة الحديد والنار. لم يعد إدخال تعديلات على قانون الحجاب وأي قانون آخر إكراهي كافياً لإخماد هذا الغضب الكبير الذي يعتمل في نفوس ملايين الشبان الإيرانيين من جيل الألفية الثالثة. ولم يعد التلويح بحلّ “شرطة الأخلاق” أمراً يستحق التوقف عنده. فالقضية هي قضية النظام من أساسه. ولذلك لا نعتقد أن الجولة انتهت أو أنها قاربت على النهاية.