بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- اشتدت الأزمة الأمنية في الصومال في أعقاب الضربات المتبادلة بين الجيش الصومالي من جهة، وحركة “الشباب” الإرهابية من جهة أخرى، فأتباع تنظيم “القاعدة” بدأوا في الدخول إلى العمق وتوجيه هجمات مركزة إلى الحكومة وأذرعها؛ بل إنهم حاولوا الوصول إلى مواقع مهمة عبر مهاجمة فندق يتردد عليه نواب ومسؤولون حكوميون في قلب العاصمة مقديشو، استمر نحو 21 ساعة، وسقط خلاله قتلى وجرحى، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من اقتحامه وتمشيطه، لتُظهر هذه العملية الأزمة الكبيرة التي تعيشها السلطات على المستويين الأمني والعملياتي.
الصومال بدأ مرحلة جديدة منذ تولي حسن شيخ محمود، رئاسة البلاد؛ إذ إن صلب برنامجه كان قائماً على توحيد مراكز القوى والانطلاق نحو محاربة الإرهاب، المتمثل في حركة “الشباب” التي تسيطر على العديد من المناطق، مستغلّة ضعف الحكومة المركزية، وحالة الفقر المدقع والجفاف والنزوح التي تمر بها الدولة المنهكة، حيث انخرطت الحكومة منذ 3 أشهر في “حرب شاملة” ضدّ الحركة، بالتعاون مع “شركاء دوليين”، وكانت أشد الضربات تأثيراً تلك التي حدثت أواخر أكتوبر الماضي، حيث قُتل فيها نحو 100 من عناصر “الشباب” في منطقة “عِيلْ طير” الواقعة بين إقليمي شبيلي الوسطى وهيران، بينهم 10 قادة؛ الأمر الذي دفع الحركة إلى ردود فعل كبيرة تدل على حجم الصفعة التي تلقّتها، فهي لا تتوانى في البحث عن ثغرات لتوجيه ضربات في العاصمة، غير آبهة حتى لو كان ضحاياها من المدنيين.
هذا البلد يواجه أزمات مركبة؛ إذ إنه يعاني منذ عقود حروباً طاحنة، أسفرت عن مئات آلاف المهجرين، ولا تزال الحالة الأمنية في اضطراب شديد، يتزامن ذلك مع مجاعة تهدّد ثلث السكان، بعد تأثر البلد بظاهرة الجفاف التي نجم عنها نقص شديد في الغذاء وارتفاع في مستوى الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى انتشار الأمراض مثل الكوليرا.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة فقد لقي آلاف الأشخاص حتفهم، من بينهم ما يقرب من 900 طفل دون سن الخامسة، بسبب سوء التغذية في الأشهر الماضية. وكشفت المنظمة الأممية أن نصف مليون من الأطفال معرضون لخطر الموت.
لكن المصيبة الأعظم التي تواجه الصومال هي التخلي العالمي عنه على الصعد كافة، حيث يتم غض الطرف عن الحالة الأمنية المستعصية؛ إذ لا يوجد دعم حقيقي للجيش، لمواجهة التهديد الذي يعصف بالبلاد. فالحركات الإرهابية غير معنية بإضعاف السلطة فقط؛ بل بإسقاطها والحلول مكانها، بينما المساعدات الإنسانية المقدمة شحيحة جداً، ولا ترقى إلى الحد الأدنى، في ظل انتظار الملايين حتفهم جوعاً وعطشاً.
الأزمة الصومالية أظهرت عوار العالم الذي يكيل بمكيالين، فالعالم تجنّد كله في سبيل دعم أوكرانيا عسكرياً ومالياً، وخصص ميزانيات بعشرات المليارات؛ بل فتحت أوروبا ذراعيها للاجئين، ولكن عندما يتعلق الأمر بالصومال، فإن الحال يختلف، وكأنهم ليسوا من البشر، ليثبت المجتمع الدولي أن نداءاته الإنسانية مبتورة، وما هي إلا ذريعة فقط يستخدمها وقتما يريد وفي المكان الذي يريد.