بقلم: أحمد وقاص وحيد
الشرق اليوم- بعد استيلاء حركة “طالبان” على أفغانستان مباشرةً، دعت باكستان المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدات إنسانية إلى أفغانستان وإلغاء العقوبات المفروضة عليها لتجنب أزمة إنسانية محتملة، لكن عوامل كثيرة تغيّرت خلال سنة واحدة، إذ تُركّز باكستان في الوقت الراهن على كبح الإرهاب العابر للحدود ومنع الهند من ترسيخ وجودها في أفغانستان.
حتى حكومة “طالبان” عجزت عن إخماد مخاوف باكستان في مجال السياسة الخارجية، ومنذ وصول “طالبان” إلى السلطة، زادت الاعتداءات الإرهابية في باكستان بنسبة قياسية وصلت إلى 56%، وتتابع فروع إرهابية ناشطة في أفغانستان، مثل “القاعدة”، وحركة “طالبان باكستان”، وتنظيم “الدولة الإسلامية في ولاية خراسان”، توسيع نطاقها في البلد.
بما أن تحالف باكستان مع أفغانستان أساسي كي يُحقق البلد أهداف سياسته الخارجية، يجب أن يتوقف تدهور العلاقات المستجد بين الطرفين، ويُفترض أن تدرك باكستان أن حكومة “طالبان” لا تشبه الحركة التي تعاملت معها في الماضي، ولا يمكن أن تستمر هذه العلاقة عبر تفوّق طرف معيّن على الآخر، فقد فشلت التدابير الصارمة والقسرية التي اتخذتها باكستان ضد “طالبان” في تحقيق النتائج المنشودة. تقضي أفضل مقاربة في المرحلة المقبلة باستعمال القوة الناعمة والدبلوماسية لحث “طالبان” على إخماد مخاوف باكستان الأمنية.
يجب أن تقنع باكستان حكومة “طالبان” بالتعامل جدّياً مع مسائل حقوق الإنسان، مثل تعليم الفتيات، كي يعترف بها المجتمع الدولي، ويجب أن تُشجّعها أيضاً على التحرك ضد حركة “طالبان باكستان”، والسيطرة على النشاطات الإرهابية العابرة للحدود لإثبات جدّيتها بشأن قمع الإرهاب أمام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.
أسفرت الفيضانات الأخيرة في باكستان عن مقتل أكثر من 1500 شخص ونزوح 33 مليون آخر، وأُضيفت هذه الكارثة إلى وضع اقتصادي مريع وتزامنت مع اضطراب المناخ السياسي في باكستان، وأدى سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق، عمران خان، عبر حجب الثقة عنها، إلى نشوء حركة شعبية تتابع التوسّع رغم الانقسامات الاجتماعية.
يزعم رئيس الوزراء السابق أن إقالته تنجم عن مؤامرة من تخطيط الولايات المتحدة، لأنه كان يحاول فصل سياسة بلده الخارجية عن واشنطن، لا سيما بعد الأزمة المتفاقمة بين روسيا وأوكرانيا، فقد واجهت حكومة شهباز شريف الجديدة أيضاً مزاعم تتّهمها بالوصول إلى السلطة بقرار أمريكي، حيث تتعدد الشوائب في نظرية المؤامرة هذه، لكن عجزت حكومة شريف عن إقناع الحشود برأي مختلف نظراً إلى شعبية خان الكبيرة.
لن تتمكن السياسة الخارجية الباكستانية من أداء دور استباقي قبل أن تتجاوز سياسات البلد الداخلية هذا الجو المضطرب، وأدت الفيضانات، والتضخم المتزايد، وتراجع قيمة الروبية، إلى تدهور الوضع الاقتصادي وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية في باكستان. في هذه المرحلة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، يجب أن تنظر باكستان إلى الخارج بدل التركيز على الداخل، فتسعى إلى إقامة تحالفات جديدة وتقوي شراكاتها القديمة لإعادة إحياء اقتصادها عن طريق التجارة والمساعدات، كذلك، يجب أن يقنع البلد المجتمع الدولي بالتزامه بالسلام في أفغانستان ويتابع النضال لتأمين المساعدات الإنسانية إلى كابول.
يُفترض أن تُعالَج المشاكل الباكستانية الداخلية مع مرور الوقت، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، وستتلاشى الاضطرابات السياسية أيضاً في نهاية المطاف، لكنّ العامل الثابت هو حاجة باكستان إلى التواصل دبلوماسياً مع حلفائها في أنحاء العالم، فلا تزال باكستان ملتزمة بمساعدة أفغانستان وحكومتها الجديدة لتجاوز المشاكل الاقتصادية والإنسانية.
في النهاية، يبقى هذا البلد مهمّاً لباكستان بدرجة لا يمكن تجاهلها، لذا يُفترض أن تتابع باكستان إعطاء الأولوية السياسية لأفغانستان رغم مشاكلها الداخلية.