بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- قبل أربعة أعوام قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة إلى الولايات المتحدة، وزرع مع الرئيس السابق دونالد ترامب شجرة بلوط أوروبية في حديقة البيت الأبيض، هدية من باريس إلى واشنطن لتأكيد عمق الصداقة، لكن تلك الشجرة سرعان ما ماتت واختفت من موقعها، وهو ما اعتبرته الأوساط السياسية دليلاً على أن العلاقات بين الطرفين لم تكن متينة بما يحفظ حياة تلك الشجرة.
مرة أخرى، يعود ماكرون إلى البيت الأبيض في زيارة دولة ثانية للقاء جو بايدن وفي جرابه الكثير من القضايا والتساؤلات والهواجس. فبعد حرب أوكرانيا جرت أحداث ومواقف وظهرت مستجدات لم تكن في الحسبان، ومعها أصيبت العلاقة الفرنسية والأوروبية مع واشنطن بخلافات حول هذه الأزمة. ولم تمنع الوحدة الظاهرة في الموقف ضد روسيا دعماً لكييف من تباين في كثير من التفاصيل التي تتعلق بالأمن الأوروبي، ومنها أن الإصرار على استمرار الحرب في أوكرانيا يهدد بتوسيع حدودها إلى صراع أكبر، ولا قبل لأوروبا بتحمل هذا السيناريو لما سيترتب عنه من تكاليف باهظة، اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية. وبعد تسعة أشهر من الصراع، بدا الضجر الأوروبي واضحاً من خلال زيادة الانقسامات حول العقوبات وتحديد سقف أسعار النفط والغاز الروسيين، إضافة إلى تعقد المشهد وضعف اليقين بتحقيق أوكرانيا نصراً كامل الشروط ضد روسيا المصممة على تحقيق كل أهدافها المعلنة.
يصاحب زيارة ماكرون إلى واشنطن زخم إعلامي ومظاهر احتفاء في الشوارع والمقرات الرسمية، تذكّر بأن العلاقات بين البلدين تعود إلى زمن حرب الاستقلال الأمريكية في القرن السابع عشر. وذلك كله يتم استذكاره كتاريخ مشترك في محاولة لتهيئة الظروف الملائمة لعقد محادثات بناءة.
وفي الوقت الحاضر هناك خلافات بين باريس وواشنطن لا تخفى على المراقب. وتحت ضغط الحرب الأوكرانية يراد لهذه الخلافات أن تظل مكبوتة حتى لا يتشتت الشمل، لكن يوماً ما ستظهر إلى العلن وستسفر عن عواقب وخيمة، خصوصاً على الجانب الأوروبي، الذي يعتمل داخله شعور يدفع إلى عدم الثقة العمياء في الأمريكيين، ويخشى من أن الضغط الأمريكي لهزيمة روسيا المفترضة، يرمي إلى إعادة الاتحاد الأوروبي إلى بيت الطاعة الأمريكي، وعدم تفكير أي من قادته، ومنهم ماكرون نفسه، ببناء قوة عسكرية أوروبية مستقلة أو وضع استراتيجيات تعامل خاصة مع موسكو وبكين.
ربما منذ شارل ديغول وبعد جاك شيراك، لم يكن هناك رئيس فرنسي أكثر صراحة مع واشنطن من ماكرون الذي انتقد إدارتي ترامب وبايدن علناً في أكثر من مناسبة، وآخر هذه المواقف قبل شهرين حين انتقد نظيره الأمريكي بسبب بيع الغاز إلى أوروبا بأربعة أضعاف سعر الغاز الروسي، معتبراً هذا الموقف انتهازية ولا يعبر عن المعنى الحقيقي للصداقة والتحالف. وبناء على ذلك يبدو أن ما خفي من خلافات أكبر، وربما لهذا السبب لا يمكن أن تكون العلاقات مثالية، لأن البيئتين الفرنسية والأمريكية مختلفتان، ولم يكن ممكناً أن تكون واحدة، ولذلك ماتت تلك الشجرة مع ترامب، ولن تعيش أخرى مع بايدن، رغم أن الهدية لا تتكرر.