بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بعد نحو عشرة أشهر من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تجد أوروبا نفسها مضطرة لمراجعة مواقفها بشأن مواصلة تقديم الدعم والمساعدات إلى أوكرانيا، في ظل الصعوبات والتحديات الهائلة التي بات يواجهها اقتصاد القارة العجوز، والشعور المتنامي لدى الأوروبيين بأن الولايات المتحدة وحدها هي المستفيد من استمرار هذه الأزمة.
لم تفلح كل محاولات التستر على الانقسام الأوروبي، الذي حدث، منذ البداية، حيال الأزمة الأوكرانية، حفاظاً على الظهور بمظهر أوروبا الموحدة والمتضامنة في مواجهة روسيا، وذلك لأسباب عديدة ومتنوعة، منها ما يتعلق بالداخل الأوروبي، ومنها ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة التي عملت على إحكام قبضتها على القرار الأوروبي. مع مرور الوقت، بدأت الخلافات الأوروبية تطفو على السطح، بالتزامن مع ظهور التناقضات الأوروبية الأمريكية، بعدما نفدت قدرة الأوروبيين على احتمال المواقف والقرارات الأمريكية، وبعد أن تولّدت لديهم القناعة بأن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد المستفيد من استمرار الأزمة الأوكرانية.
هناك أصوات أوروبية عارضت منذ البداية فرض عقوبات على روسيا، ودعت إلى أخذ الهواجس الأمنية الروسية بعين الاعتبار بما يكفل إعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس عادلة تلبي مصالح كل الأطراف، لكن هذه الأصوات لم تسمع بسبب هيمنة واشنطن على القرار الأوروبي. وكانت النتيجة هي تدفق المساعدات والدعم اللوجستي والأسلحة الحديثة والمتطورة على أوكرانيا، بالتزامن مع ظهور أزمة خانقة للطاقة وتقلص إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات، وخروج الاحتجاجات إلى الشوارع في كثير من الدول الأوروبية ضد الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمعيشية، خصوصاً بالنسبة للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
والأهم هو ظهور تحوّل ملموس في الرأي العام الأوروبي تجاه الحكومات ومطالبتها بوقف المساعدات لأوكرانيا، انطلاقاً من الشعور بأن الشعوب الأوروبية هي من بات يدفع الثمن. وما يعزز هذا التغير في مواقف الرأي العام هو انتقاله إلى المسؤولين الأوروبيين أنفسهم الذين بدأوا يعبرون عن مواقفهم الغاضبة علناً تجاه السياسة الأمريكية المتعلقة ببيعهم الغاز الذي يتم توفيره من مناطق مختلفة من العالم، لإبعاد الأوروبيين عن الغاز الروسي، بأسعار مرتفعة جداً على أبواب فصل الشتاء، لكن، في النهاية، تيقن الأوروبيون أن المستفيد الأكبر هو الولايات المتحدة وأنهم هم من يدفع الثمن. وما زاد الطين بلة هو القرارات الأمريكية بشأن التضخم والتي تسمح بتقديم تسهيلات ومساعدات مالية كبيرة للشركات العالمية، بهدف جذب الشركات الأوروبية، خصوصاً، إلى أمريكا، الأمر الذي يلحق المزيد من الضرر بالصناعات الأوروبية والاقتصاد الأوروبي الذي لم يكن قد تعافى بعد من جائحة “كورونا”. وهو ما عبر عنه العديد من المسؤولين الأوروبيين، مؤخراً، كما أنه سيكون حاضراً، من بين قضايا أخرى، خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحالية لواشنطن، ومحادثاته مع نظيره الأمريكي جو بايدن، في مسعى لوقف الإحباط الأوروبي من السياسات الأمريكية.
السؤال: هل يتمكن ماكرون وبايدن من نزع فتيل الغضب في الشارع الأوروبي؟