بقلم: أحمد نظيف – النهار العربي
الشرق اليوم- شأنها شأن سياساتها العامة الأخرى، تنظر الدول الغربية إلى دول الجنوب في موضوع أزمة المناخ الكونية، نظرة استعلائية. تقدم الدروس وربما التعليمات وتحدد قواعد اللعبة. وشأنها شأن سياساتها العامة الأخرى تمارس هذه الدول – المسؤولة تاريخياً عن نكبة الكون المناخية – حالةً فجةً من ازدواج المعايير. من جهة ترفع شعارات محاربة الطاقة الأحفورية، وفي الجهة المقابلة تحتج على سياسة الدولة المنتجة للنفط بخفض الإنتاج. من جهة تقدم الدروس للدول النامية والفقيرة بضرورة التوجه نحو الطاقات النظيفة، وفي الجهة المقابلة تواصل استخراج الفحم الحجري وحرقه لإنتاج الطاقة.رغم اتفاقية باريس لعام 2015، وكذلك الالتزامات التي قطعتها الدول الغربية على نفسها بإنهاء استخدام الفحم تدريجياً، إلا أن إنتاج الكهرباء باستخدام هذا الوقود الأحفوري يتزايد منذ عام 2020. وفقاً لمشروع الكربون العالمي، سيبقى الفحم هذا العام المصدر الرئيسي للتلوث العالمي مع 15.1 غيغا طن من ثاني أوكسيد الكربون، وهو أعلى مستوى تم الوصول إليه على الإطلاق.
بين عامي 2000 و2021، ظلت حصة الفحم في إنتاج الكهرباء العالمية مستقرة نسبياً. انخفضت هذه الحصة من 38.21% إلى 36.58% في عام 2021 – انخفاض أقل من 2%، وهو ما يتوافق بالفعل مع زيادة عددية. رغم انتشار مصادر الطاقة، تم توليد ضعف الكهرباء من الفحم العام الماضي مقارنة ببداية القرن. بين الدول الأوروبية، انخفضت حصة الفحم في توليد الكهرباء هذا العام انخفاضاً ضئيلاً مقارنة بعام 2021. وفي المتوسط، زاد توليد الكهرباء من الفحم من 68.6 إلى 66.9 تيراواط ساعة خلال الأشهر الأخيرة.
تميزت السنوات الخمس والعشرون الماضية بنمو غير مسبوق في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. خلال هذه الفترة، كان أغنى 1% من سكان العالم مسؤولين عن أكثر من ضعف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون مقارنة بالنصف الأفقر للبشرية (نحو 3.1 مليارات شخص). وهذه الكتلة الكبيرة من ضحايا الانبعاثات في أغلبها تنحدر من الدول النامية والفقيرة. في المقابل، تستولي الدول الغربية زائداً الصين على نصيب الأسد من تلويث المناخ ورفع درجة حرارة الأرض. على الصعيد العالمي، كان أغنى 10% من البشر مسؤولين عن أكثر من نصف الانبعاثات التراكمية (52%) بين عامي 1990 و2015. وأغنى 1% وحدهم يمثلون أكثر من 15% من الانبعاثات التراكمية خلال هذه الفترة، أي أكثر من إجمالي الانبعاثات التراكمية. الانبعاثات من جميع مواطني الاتحاد الأوروبي تمثل وحدها 7%.
في المقابل، تتمتع الشركات الرأسمالية الأوروبية والأمريكية، الناشطة في القطاعات الأكثر تلويثاً، بامتيازات ضريبية واسعة، ولا يبدو في الأفق أن الحكومات ستنجح في إخضاعها لضرائب عالية للدفع نحو خفض الانبعاثات، بل إن النسبة الأكبر من الانبعاثات الصادرة من دول غير غربية، مثل الصين والهند، صادرة عن شركات أوروبية وأمريكية كانت قد نقلت مراكز عملياتها ومصانعها إلى هذه الدول للاستفادة من مزايا انخفاض تكلفة الإنتاج.
وفي المجمل، تتحمل الدول الغربية المسؤولية التاريخية عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي. فالقاسم المشترك الذي تشترك فيه العديد من المستعمرات السابقة المتأثرة تأثراً مفرطاً بتغير المناخ هو البصمة الكربونية المنخفضة نسبياً.
تعتبر الدول الأوروبية مسؤولة تاريخياً عن 22% عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية. ومع ذلك، وعلى النقيض منه، فإن المساهمة التاريخية للبلدان الأفريقية، والتي كان العديد منها مستعمرات سابقة، لا تزيد عن 3% مجتمعة، مع الأخذ في الاعتبار أن جزءاً كبيراً من التردي المناخي في المستعمرات السابقة كانت من جذوره السياسات الاستعمارية التي سلكها المستعمر، القائمة أساساً على الاستغلال المفرط للموارد. خذ على سبيل المثال دلتا النيجر، وهي من أكثر الأماكن تلوثاً على وجه الأرض بسبب إهمال شركة “شل” الهولندية – البريطانية.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 17.5 مليون ليتر من النفط قد انسكبت هناك، ما أدى إلى القضاء على أنظمة بيئية بأكملها، واقتلاع عائلات، والتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها، أو النهج الذي سارت بعض الحكومات الغربية خلال القرن العشرين لاستخدام دول الجنوب والمستعمرات السابقة كمكان للتخلص من نفاياته غير المرغوب فيها.
إن الآثار المدمرة بيئياً لرأس المال ليست مدفوعة فقط بحاجته إلى النمو، ولكن أيضاً بحاجته إلى النمو أسرع. يستغرق المسار من الاستثمار إلى الربح إلى إعادة الاستثمار وقتاً، وكلما طال الوقت، قل إجمالي العائد الذي يحصل عليه المستثمرون.
تنتج من المنافسة على الاستثمار ضغوط مستمرة لتسريع الدورة، من أجل الانتقال من الاستثمار إلى الإنتاج والبيع بسرعة أكبر من أي وقت مضى. في هذا المنطق الرأسمالي المجنون، لا يُنظر إلى “الأزمة البيئية” إلا على أنها “فرصة هائلة لأسواق جديدة”. هذه هي الطريقة التي تسلط بها الصحافة الاقتصادية الضوء على إمكانات سوق الطاقة النظيفة المتجددة، وسوق الزراعة العضوية وأسواق البدائل. تختفي عالمية المشكلة، ويختفي الحل العالمي أيضاً، وقد ابتلعته شهية الربح لدى الرأسماليين الأفراد.