بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يبدو أن الهدوء ليس من نصيب المناطق الشمالية في سوريا، مع بدء تركيا عملية جديدة، ل”قصقصة” أجنحة الفصائل الكردية المسلحة التي تبسط سيطرتها على جزء من المناطق الحدودية. أنقرة بدأت بغارات جوية مركزة، لمواقع وحدات حماية الشعب الكردي التي ترى فيها العمود الفقري ل”سوريا الديمقراطية- قسد”؛ بل إن القصف طال مقار هذه القوات الموجودة في قاعدة روسية شمال شرقي سوريا، كما استهدفت موقعاً لهم على مقربة من القوات الأمريكية، لتؤكد واشنطن لاحقاً أن الاستهدافات وضعت قواتها في موقف خطِر.
أنقرة التي ترد اعتبارها بعد تفجير إسطنبول في الثالث عشر من الشهر الجاري، ونسبته السلطات، إلى المجموعات الكردية، على الرغم من نفي الأخيرة، تستعد لعملية برية كما أكد ذلك أردوغان، متحدية بذلك التحذيرات الروسية والأمريكية، حيث إن موسكو غير معنية بالالتهاء بجبهة جديدة بينما تخوض معركة حامية في أوكرانيا؛ حيث طلبت من تركيا الامتناع عن “زعزعة الاستقرار”، لأن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى تصاعد العنف وزيادة النشاط الإرهابي، بينما واشنطن تسعى إلى وقف الهجوم لحماية حليفتها “قسد”، مشيرة إلى أن تطور الصراع من الممكن أن يؤثر في العمليات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
لكن تركيا، كانت واضحة أن عمليتها لا عودة عنها لتأمين حدودها الجنوبية، فالقصف الذي تم قرب القوات الأمريكية، رسالة واضحة بأنها مصممة على التصعيد، مستغلة بذلك ضعف الموقف الروسي في سوريا بسبب حرب على أوكرانيا، وحاجتها إلى تركيا في تصدير الحبوب والغاز عبر موانئها وخطوطها في ظل الحصار الغربي على موسكو.
العملية التركية أيضاً تأتي في ظل تقارب أنقرة ودمشق، وتصريحات أردوغان فتحت الباب لذوبان جليد العلاقات بين البلدين، عندما أكد إمكانية اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، ويبدو أن الحراك الدبلوماسي الذي جاء بعد قطيعة، يراد له النجاح من الطرفين، فدمشق معنية بتعميق العلاقات لحل مشكلة الشمال في ظل نفوذ تركيا هناك، وإعادتها إلى سيطرة الحكومة، بينما تركيا مستفيدة من الموقف الرسمي السوري الذي يرفض إقامة أي كيان كردي مستقل، وعلى الرغم من رفض سوريا لأي تدخل عسكري إلا أن ثمة التقاء مصالح بين الطرفين، وقد عبر عن ذلك القائد العام ل”قسد” مظلوم عبدي: “حتى الآن موقف حكومة دمشق من الهجمات كان أضعف من مرات سابقة، وهذا يعني أنه قد يكون هناك تأثير للعلاقات (مع تركيا) فيها”.
الظروف الجيوسياسية، مواتية تماماً لتركيا، لتنفيذ ما عجزت عنه سابقاً، فهي تريد أن تتخلص من الصداع الكردي الذي يؤرقها لعقود مضت، لذا فإنها ستستغل التفاعلات العالمية الحالية لتنفيذ مخططها، لكن ذلك لن يتم بسلاسة، لأنه على الرغم من أن هذا الصراع ليس على رأس أولويات أمريكا وروسيا، فإنهما لن يسمحا لتركيا بالقضاء على نفوذهما تماماً، لذا فإن طموحات أنقرة ستتحقق بالقدر الذي يريده الفاعلون على الأرض.. لكن الميدان مملوء بالمفاجآت وقد تنجح تركيا بكسر هيمنتهما.