بقلم: د. عدنان الربيعي
الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يتناول زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى الأردن، ولقاءه جلالة الملك عبدالله الثاني، ودلالات اختيار الأردن كأولى محطاته الخارجية، ويتطرق إلى أهم الملفات والقضايا المشتركة بين البلدين.
أدناه نص المقال كما ورد في موقع المركز:
في أولى جولاته الخارجية منذ تكليفه، وفي أولى خطواته في رسم السياسة الخارجية لحكومته، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السودانيّ، المملكة الأردنية الهاشمية، يوم الثلاثاء الموافق 22 نوفمبر 2022، والتقى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين. وتم خلالها بحث عدد من الملفات والقضايا الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية ذات الاهتمام المشترك.
رسمت زيارة السوداني إلى عمّان شكل المسار الخارجي للحكومة العراقية الجديد المشكلة في 27 أكتوبر عام 2022، فقد جاءت للتأكيد على أهمية القضايا المشتركة بين الدولتين، ولتبديد الشكوك حول مصير الاتفاقيات السابقة المبرمة بين العراق والأردن إضافة إلى مصر، نظراً لما تضمنته من رسائل دللت على تمسك العراق والتزامه بقواعد حسن الجوار العربي والإقليمي.
فقد أشار المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، أن الزيارة شهدت عقد جلسة مباحثات موسعة بين الجانبين، وتباحثت حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، كملفات التنسيق الثنائي على مختلف الصعد والمجالات، فضلاَ عن دورها في تعزيز العمل وفق مذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين.
توقيت الزيارة
تأتي الزيارة، بعد سلسلة من التساؤلات حول مدى رغبة الحكومة العراقية المُشكلة حديثاً، في الالتزام بالاتفاقيات المُبرمة مع الجانب الأردني، وبالإضافة إلى مشاريع التكامل الإقليمي وعلى رأسها “الشراكة التنموية الثلاثية” مع كل من الأردن ومصر. ولأهميتها فقد شدد جلالة الملك أثناء اللقاء على “أهمية مواصلة التعاون الثنائي بين البلدين، والثلاثي مع مصر، باعتباره نموذجا للتكامل في المنطقة”.
ودللت الزيارة، في الجانب البروتوكلي العالي والوفد المرافق، أنها جاءت لتُبدد تلك الشكوك حول مدى استعداد السوداني للاستمرارية في الاتفاقيات الموقعة سابقة الذكر، حيث هناك أطراف ممن منحوا الحكومة العراقية المكلفة الثقة، أو قدموها، لديهم وجهات نظر معارضة للحكومة السابقة ومشاريعها واتفاقياتها، لا سيما ما يتصل منها بالعلاقات العراقية العربية. كان آخرها انتقاد النائب عن ائتلاف دولة القانون، عالية نصيف، مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق في منتصف أكتوبر 2022.
ومما زاد من حدة تلك الشكوك، أن الحكومة العراقية ابتعدت منذ تشكيلها عن التصريح أو التلميح أو إبداء موقف تجاه أي من ملفات السياسية الخارجية ما فتح الباب واسعاً أمام التحليلات والتأويلات، مُقابل انشغالها بالملفات الداخلية خاصة ما يتعلق منها بتوفير الخدمات ومكافحة الفساد.
رسائل الزيارة
يبدو أن هُناك إدراكاً عراقياً بالمخاوف العربية مما قد يطرأ على السياسة الخارجية العراقية من مُستجدات تجاه علاقاته مع محيطه العربي، ولذلك حملت الزيارة عدداً من رسائل الطمأنة الضمنية كان أهمها:
1- اصطحاب رئيس الوزراء العراقي، لمحافظ الأنبار في الزيارة وحضوره الحوارات، إذ تعدّ الأنبار المحافظة العراقية المحاذية للأردن والتي تمثّل بوابة لتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية الموقعة بين الطرفين.
2- إشارة بيان المكتب الإعلامي للحكومة العراقية إلى أن الزيارة بحثت تعزيز الشراكة ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين.
3- تأتي هذه الزيارة كأولى الجولات الخارجية للسوداني، وما سيتبعها من زيارات خليجية؛ يعطي العديد من الرسائل باستعداد الحكومة العراقية الجديدة للتقارب مع المحيط العربي ويبدو ذلك من الأمور المهمة التي تسعى الحكومة العراقية لتحقيقها.
دلالات الزيارة
يحمل اختيار رئيس الوزراء العراقي، الأردن كأولى محطاته الخارجية العدي من الدلالات، منها:
أولا: يمثل الأردن شريكاً وداعماً مهماً بالنسبة للعراق في عدة مجالات منها؛ الجانب الأمنيّ والذي فرضته الحدود المشتركة بين الطرفين، والتعاون الاقتصاديّ المتمثل بانتقال البضائع بين البلدين والاستثمارات المشتركة، فضلا عن وجود الجالية العراقيّة الكبيرة في الاردن والتي تقدر بـ 131 ألف عراقي بحسب المجلس الأعلى للسكان.
ثانياً: الخبرات الأردنية في ملف مكافحة الإرهاب، حيث يأتي الأردن في طليعة الدول التي تنادي بضرورة محاربة الإرهاب، والتصدي له، وهو ما يحتاجه العراق اليوم، ومما يؤكد ذلك رسائل جلالة الملك المستمرة بوقوف الأردن إلى جانب العراق بهذا الملف، وضرورة الحفاظ على أمنه واستقراره، ولفت جلالة الملك خلال لقاءه بالسوداني، إلى أهمية دور العراق في محيطه العربي والإقليم، مشددا على أن أمن العراق يعد ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها.
ثالثاً: أهمية المشاريع المشتركة، كمشروع انبوب النفط العراقيّ الواصل من البصرة إلى العقبة، والمدينة الصناعيّة المشتركة والمنطقة الاقتصادية الخاصّة بين الطرفين، وهي مشاريع ابتدأ العمل بها فعليّا في الحكومة السابقة، وتحتاج الحكومة الحالية للمضي قدماً في هذه المشاريع، لمواجهة الأزمة الاقتصادية في العراق التي تفاقم من حالة الغضب في الشارع هناك، في وقت يسعى فيه السوداني لكسب الثقة الشعبية، والحيلولة دون تجدد الاحتجاجات.
رابعاً: ما يزيد من أهميّة الزيارة؛ تناولها ملفات تمثّل امتدادا للاهتمام الداخليّ تتمحور في التعاون العراقيّ الأردنيّ فيما يتعلق بملف المطلوبين بقضايا فساد وقضايا أمنيّة، ومحاولة استرجاع الأموال المهربة، وهي ملفات يمكن للأردن مُساعدة السوداني في تنفيذها من خلال ما يمتلكه من خبرة واسعة في مجالات الأمن والاستخبارات المالية، إضافة إلى علاقاتها الممتدة مع الأجهزة الأمنية والاسخباراتية من مختلف دول العالم.
ولهذه الملفات أهميتها بالنسبة حكومة السودانيّ على المستوى الداخلي، خاصة ما يتعلق منها بمكافحة الفساد وتعزيز الجانب الأمني، إذ تصدّر هذان الملفان اضافة إلى تقديم الخدمات اهتمامات الحكومة، نظراً لأهميتهما في تعزيز الثقة الشعبيّة بالحكومة، بعد عدد من الأحداث التي رافقت تشكيلها.
وهذا ما أشار إليه العديد من السياسيين القريبين من رئيس الوزراء العراقي، الذين أكدوا أن أمام السوداني تحدي مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المهربة للخارج وأن الأردن أحد الدول التي تدعمه في ذلك. وهو ما يبرر في أن الزيارة اقتصرت على رسائل محددة دون تصريحات واضحة؛ وتأسيسا على المعطيات المتقدمة فإنّ الزيارة لم تختتم بمؤتمر صحفي يوضح مجرياتها ومحاورها التفصيلية.
وختاماً؛ يتشارك الدولتين حدوداً مشتركة تمتد على مسافة نحو 181 كم، ومن المهم بالنسبة الأردن ضمان استقرار الوضع الامنيّ في العراق، لما لها من انعكاسات ايجابية على الصعيد الاقتصادي والأمني، ولتفادي سيناريو حدوده الشمالية والشرقية التي يواجه فيها حرباً على المخدرات والمهربين جراء الانفلات الأمني على الجانب الآخر منها.
وعلى صعيد آخر يهتم الأردن بالملف الاقتصادي مع العراق، والذي يعتبر بوابة مهمّة للاستثمار والتبادل التجاري؛ مما يعزز الاستقرار الاقتصادي للأردن، ويعزز من فرص الشراكات المستقبلية بين البلدان على مستوى القطاعين العام والخاص.
وعليه؛ تُبرز الزيارة الدور الأردني المُتقدم على المُستوى الإقليمي، في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط والعالم، وتُعد زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الأردن، كأول محطة خارجية له، ما هي إلا دلالة على ذلك.