بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- الآن – وبعد أن حُسمت الأغلبية بمجلس الشيوخ للحزب الديمقراطي بفوز مرشحهم عن ولاية نيفادا، واحتفظ الجمهوريون بالأغلبية فى مجلس النواب بالفوز ب 218 مقعداً، فإن الأمريكيين على مختلف المستويات يرون أن الأهم والأكثر خطورة الآن ليس معرفة من الفائز ومن الخاسر. وإن القضية الأهم والمصيرية معلقة بمصير ومستقبل الديمقراطية الأمريكية. ويتصدر هذه الرؤية مصطلحات مستجدة على مفردات اللغة السياسية لدى الأمريكيين، منها مقولة: نحن في هذه الانتخابات قد انقسمنا إلى قبائل تتناحر، لا أن تتنافس.
وهكذا صارت القضية المحورية تتعلق بشكل ومستقبل الديمقراطية في أمريكا، والتي كانت ولا تزال شعاراً ترفعه الإدارات الأمريكية على اختلافها معياراً، ليس فقط بما يخص نظامها الداخلي، بل أيضاً لنظرتها لعلاقاتها الخارجية مع دول العالم.
ينعكس ذلك على شكل المواجهة في تلك المعركة الانتخابية بين الرئيس بايدن، والرئيس السابق ترامب. وكلاهما أفاض في إعطاء كلمة الديمقراطية ومستقبلها معنى مختلفاً عن الآخر.
مثلاً شعار الديمقراطية فى خطر، وإن تلك الانتخابات ستكون لحظة فارقة فى مصير ديمقراطيتنا، كان الشعار الذي أطلقه – في مؤتمر مشترك – كل من بايدن، والرئيسين السابقين أوباما وكلينتون، واتهم بايدن، ترامب بأنه هو الذى دفع الممارسة الديمقراطية إلى هذا المنزلق.
من جانبه راح ترمب يشكك فى الديمقراطية الأمريكية ذاتها وفي آلياتها، وإن الانتخابات الرئاسية الماضية ليست وحدها التي جرى تزوير نتائجها، بل إن وسائل الإعلام تنشر أخباراً ومعلومات زائفة. ثم وصف بايدن بأنه «عدو الدولة» وهو ما اعتبره كثيرون تصرفاً يهدد الأسس التى تقوم عليها دولة أمريكا.
وعاد ترامب يتهم ما جرى في انتخابات الكونغرس الأخيرة بأنها قد شابها التزوير والاحتيال على حد تعبيره بالنسبة لفوز المرشح الديمقراطي في ولاية أريزونا.
وهكذا صارت قضية مستقبل الديمقراطية هي الشغل الشاغل للأمريكيين الآن، بصرف النظر عمن فاز ومن خسر، وأن حالة الديمقراطية وواقعها ومستقبلها هي قضية الفترة القادمة.
وكانت أكثر المنتديات التى ترددت فيها عبارات “القبلية”، هى التى ضمت مجموعة من أساتذة العلوم السياسية بجامعة روشستر، في حوارات للنظر فيما هو عرضة للخطر. وتساءلوا عما إذا كان عدم تقبل الخاسرون للنتائج يمكن أن يفتح الطريق إلى حرب أهلية.
ثم كانت الدراسة المنشورة تحت عنوان “ما الذى ستخبرنا به الانتخابات التي جرت عن استقرار الديمقراطية في الولايات المتحدة”. وتقول إن أسوأ ما حدث للسياسة الأمريكية في السنوات الخمس الأخيرة لم يكن فقط الاستقطاب الذي أحدث انقساماً فى الحياة السياسية، بل هو اقتناع أعداد كبيرة بأن الديمقراطية الأمريكية ذاتها قد فشلت.
وهو ما علق عليه البروفيسور جيرالد جام بقوله إن أكبر تهديد نواجهه في اللحظة الراهنة هو أننا لا نستطيع أن نتفق على أن الانتخابات تؤدى دورها المطلوب. ولهذا فإننى أشعر بقلق عميق حول بقاء التجربة الديمقراطية فى أمريكا.
وفي هذا المعترك الفكري شارك مجلس العلاقات الخارجية ذو المكانة المتميزة، بدراسة عنوانها “الانتخابات، والعنف، ومستقبل الديمقراطية الأمريكية”. وقال إن العنف الذي يسبق أو يتبع التصويت في الانتخابات يمكن أن يقوض ديمقراطيتنا، وكذلك الاستقرار فى مجالات متعددة. وإن الاستطلاعات أظهرت أن 54% من المواطنين يعتقدون بأن أمريكا ستكون أقل ديمقراطية فى السنوات القادمة.
هذه الصورة بكل تفصيلاتها تعكس حالة تمثل خروجاً على تقاليد كانت ثابتة في العمليات الانتخابية في معظم سنوات القرن العشرين، عندما كان هناك توافق بين الأحزاب السياسية، يزيد على ما بينها من خلافات، إلى أن بدأت تظهر منذ ثمانينات القرن الماضي علامات تفاوت وتباعد وانقسامات بين الحزبين حول قضايا متنوعة، الكثير منها عن السياسة الخارجية.
ولعل مجلة “نيويوكر” – الموثوق سياسياً وإعلامياً في تقاريرها – قد نشرت تقريراً مطولاً تحت عنوان “مستقبل الديموقراطية: ديموقراطيتنا فى خطر”. وقد حشدت المجلة لإعداد هذا التقرير عدداً كبيراً ومتنوع الاتجاهات من الكتاب والمفكرين لمناقشة واستطلاع ماضى وحاضر ومستقبل الديمقراطية الأمريكية.