الشرق اليوم- منذ الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019، شهد السودان منعطفات متعرجة على طريق العودة إلى الحكم المدني من خلال الوسائل الديمقراطية.
ورغم تشكيل حكومة مدنية برئاسة عبدالله حمدوك، إلا أن الأمور انتهت إلى ما انتهت إليه من عودة الخلاف الذي تحول الى صراع بين المكونين العسكري والمدني، مع ما تخلل ذلك من صدامات وأعمال عنف خلال تظاهرات اجتاحت العديد من المدن السودانية، الأمر الذي استدعى العديد من المبادرات المحلية والإقليمية والدولية لرأب الصدع، والعودة إلى الحوار والمفاوضات لإخراج السودان من حالة الانسداد السياسي وتداعياتها السلبية على الوضع المعيشي والاقتصادي والاجتماعي للسودانيين، إضافة إلى الصراعات القبلية الدامية في النيل الأزرق ودارفور.
المكون المدني المتمثل بقوى الحرية والتغيير اعتبر أن ما حصل يتفق مع الاتفاقات السابقة، ولا بد بالتالي من تصويب الأمور بتخلي المؤسسة العسكرية عن السلطة.
في الآونة الأخيرة، حصل أن المؤسسة العسكرية أدركت أنه لا بد من أن تقدم تنازلات لإخراج السودان من عنق الزجاجة، والإ فإن الأمور سوف تذهب نحو الأسوأ، خصوصاً مع تزايد الضغوط الدولية للعودة إلى الحكم المدني؛ حيث أعلن رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أن القوات المسلحة “ملتزمة النأي بنفسها عن العمل السياسي، والسعي إلى توافق وطني تشارك فيه كل القوى السياسية وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة”.
هذا الموقف سهّل الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية، وقبول المكون المدني بالحوار، خصوصاً بعد أن أعلنت لجنة التسيير في نقابة المحامين تبنيها مسودة دستور جديد تمّ تسليمها إلى الأمم المتحدة، نصت على مدنية الدولة، وتشكيل مجلس عسكري برئاسة البرهان، ومجلس دفاع برئاسة مدنية، ومجلس وزراء من كفاءات مستقلة.
أيضاً سهّلت جهود الرباعية الدولية ومنظمة “إيقاد” وضع “اتفاق إطار” ينص على تشكيل حكومة مدنية بالكامل كمرحلة أولى، على أن تشمل مفاوضات المرحلة الثانية، قضايا العدالة الانتقالية، وتفكيك نظام البشير المتغلغل في أجهزة السلطة، وإصلاح قطاع الأمن بدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة في إطار جيش قومي واحد، وتعديل اتفاق جوبا للسلام، على أن يتم توقيع الاتفاق خلال شهر، بعد التشاور مع كل الحركات المسلحة.
تعقيدات الوضع السياسي والأمني، فرضت التوصل إلى “اتفاق إطار”، كما فرضت على الجيش التخلي عن السلطة لمصلحة العودة إلى الحكومة المدنية والتزام الديمقراطية. لكن الوصول إلى الخواتيم المرجوة يتطلب ثقة متبادلة وإرادة حقيقية لتجاوز الأوضاع الراهنة بما يؤدي إلى استكمال الفترة الانتقالية، وصولاً إلى الانتخابات التي تخرج السودان من عنق الزجاجة.