بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- التصعيد في الحروب نوعان؛ أولهما متعمد يلجأ إليه أحد طرفي الصراع أو كلاهما للإسراع بتحقيق الهدف من الحرب أو للرد على تصعيد قام به الخصم أو لمحاولة الحفاظ على تأييد الجبهة الداخلية. والأمثلة على هذا النوع من التصعيد لا تُعَد ولا تُحصى، نجدها بسهولة في تاريخ الحروب كالحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الفيتنامية. غير أن ثمة نوعاً آخرَ من التصعيد يمكن أن يحدث على نحو غير متعمد إذا ضُرِبت أهداف للخصم بطريق الخطأ، وبالذات لو كانت هذه الأهداف حيوية؛ ففي هذه الحالة قد يجد الطرف المُضار بهذا الخطأ نفسَه مضطراً للرد، فتحدث سلسلة من ردود الأفعال المتبادَلَة يمكن أن تؤدي لتصعيد خطير لم يكن في الحسبان. ولذلك تحرص أطراف الصراعات على إبقاء خطوط الاتصال بينها مفتوحةً مهما كانت شدة الصراع لتفادي هذا النوع من التصعيد، باستجلاء ملابساته والاطمئنان إلى أن الخطأ وليس نية التصعيد هو السبب فيما وقع. وتزداد أهمية الحفاظ على الاتصالات المباشرة بين أطراف صراعٍ ما إذا كان هذا الصراع يتضمن بعداً نووياً، لأن الخطأ وتداعياته في هذه الحالة يمكن أن تترتب عليه نتائج كارثية. ولذلك فإنه على الرغم من حدة الاستقطاب الأميركي الروسي في الحرب الحالية في أوكرانيا، لوحظ أن الاتصالات بين الطرفين أصبحت أكثر انتظاماً وكثافةً منذ بدأ التلويح بالسلاح النووي في الحرب ولو بطريق غير مباشر.
وعلى العكس من وفرة أمثلة التصعيد المتعمَّد، فإن أمثلة التصعيد بطريق الخطأ محدودة، وقد نذكر سقوط بعض القذائف إبان الحرب العراقية الإيرانية خارج أراضي الدولتين المتحاربتين، وكذلك فإن التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية كثيراً ما تثير مخاطر سقوط حطامها على أراضٍ تابعة لبلدان معادية لها مما قد يسبب توتراً كبيراً. ولعل المثال الأخطر في هذا الشأن هو المتعلق بواقعة صاروخ الدفاع الجوي السوري الذي أُطلق في أبريل 2021 على طائرات إسرائيلية مغيرة وسقط في النهاية بالقرب من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة. وهي واقعة تلفت إلى الخطورة المترتبة على الأسلحة الذكية المبرمجة بحيث تكون قادرةً على تفادي عمليات التشويش، فيتغير مسارها بعيداً عن مسارها الأصلي ويصبح محتملًا أن تصيب أهدافاً غير أهدافها الأصلية.
وفي هذا السياق يمكن فهم خطورة الواقعة الأخيرة التي تمثلت في سقوط صاروخ في أراضي بولندا، فلو كان هذا الصاروخ روسياً فإن المعنى الخطير لتطور كهذا هو أن روسيا قد وسَّعت نطاقَ الحرب بحيث يشمل دولةً عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومن ثم فهي الحرب العالمية الصريحة، لأن جوهر المنظومة الدفاعية للحلف يحتم الرد الجماعي على الهجوم. ولذلك يلاحظ أن كافةَ أطراف الحلف، وعلى رأسها الولايات المتحدة، اتسمت بالرشاد، وسارعت للاستنتاج الصحيح ومفاده أن مصدر هذا الصاروخ هو الدفاعات الجوية الأوكرانية التي أطلقته على هدف روسي، لكنه كان على شاكلة الصاروخ السوري إذ سقط بعيداً عن هدفه بسبب عمليات التشويش ومحاولات تفاديها. وبطبيعة الحال أكدت المصادر الروسية بدورها هذا المعنى. ويُلاحظ أن الوحيد الذي ألقى باللائمة على روسيا هو الرئيس الأوكراني الذي سارع إلى القول بأن الصاروخ هو هدية روسيا لقمة العشرين التي كانت منعقدة وقت سقوط الصاروخ، ورسالة الهدية أن روسيا تتحدى القمة! وقد أراد الرئيس الأوكراني بذلك أن يستفز المشاركين في القمة، لأنه الوحيد حالياً صاحب المصلحة في التصعيد الذي يعتمد على استمراره لضمان استدامة الدعم الغربي الذي يتدفق على أوكرانيا. ولولا خطورة الاستجابة لهذا الاستفزاز وغلبة الرشاد على الأطراف الغربية في الصراع لحدث ما لا تُحمد عقباه، إذ الجرة لا تسلم في كل مرة، كما يقولون.