بقلم: أنطوني فروجات
الشرق اليوم– بينما يجتمع قادة العالم في مؤتمر الأطراف 27 لمناقشة أجندة إزالة الكربون العالمية، ينبغي لهم أن يركزوا على التكنولوجيات التي يمكن نشرها بسرعة على مستوى العالم لتحل محل الوقود الأحفوري.
مثلما سلط غزو روسيا لأوكرانيا الضوء على اعتماد أوروبا الخطير على الوقود الأحفوري، فإن الظواهر الجوية المتكررة المتزايدة الشدة والمرتبطة بالمناخ تسلط الضوء على الموت والدمار اللذين جلبهما الاعتماد على الوقود الأحفوري، فمن المفهوم أن تكون الضغوط السياسية والعامة لتقليل الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي، والابتعاد عن إمدادات الطاقة الأولية غير الآمنة، وتطوير مصادر طاقة جديدة يمكن التعويل عليها وآمنة وفي المتناول، عند أعلى مستوياتها على الإطلاق. ولكن بدلا من الاندفاع إلى الأمام، ينبغي لنا أن نفكر بعناية في الخيارات الأكثر واقعية، وكيف يمكن نشرها وتشغيلها في العالم الحقيقي. لنتأمل هنا الطاقة النووية، فمع عودة بلدان وشركات عديدة الآن إلى النظر مرة ثانية (أو مرة ثالثة) في هذا الخيار، يقدم تقرير حالة الصناعة النووية العالمية لعام 2022 رؤى قيمة حول أداء هذا القطاع.
في حين قد نتذكر الأشهر الاثني عشر الأخيرة على أنها نقطة تحول في قطاع الطاقة في عموم الأمر، فإن هذا لن يكون بسبب الصناعة النووية، فقد انخفضت حصة الطاقة النووية في إجمالي توليد الكهرباء التجارية العالمية في عام 2021 إلى 9.8 في المئة، وهذا أول انخفاض لها دون 10 في المئة في أربعة عقود من الزمن، ونصف ذروتها تقريبا التي بلغت 17.5في المئة في عام 1996، وفي الوقت ذاته، تجاوزت طاقة الرياح والطاقة الشمسية الطاقة النووية للمرة الأولى في عام 2021، لتمثل 10.2في المئة من إجمالي توليد الطاقة.
يمكننا رؤية هذه المسارات المتباينة بوضوح في مختلف مؤشرات الاستثمار والنشر والناتج، فوفقا للهيئة الدولية للطاقة الذرية، بلغت المفاعلات ذروة نشاطها في عام 2018، سواء من حيث عددها (449) أو قدرتها الإجمالية (396.5 غيغا واط)، وتشير تقارير الهيئة الدولية للطاقة الذرية إلى أن 437 مفاعلا كانت “عاملة” على مستوى العالم في نهاية عام 2021، بما في ذلك 23 مفاعلا لم تولد الطاقة لمدة تسع سنوات على الأقل، والتي قد لا تفعل ذلك مرة أخرى أبدا.
33 دولة فقط تشغل محطات نووية اليوم و3 دول هي: بنغلادش ومِـصر وتركيا تبني مفاعلات لأول مرة في عام 2018، عندما بلغت الطاقة النووية القائمة ذروتها عند مستوى دون 400 غيغا واط، ارتفعت قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فوق 1000 غيغا واط، وكانت في طريقها لتصل إلى 1660 غيغا واط بحلول نهاية عام 2021، وفي غضون ثلاث سنوات فقط، أضافت طاقة الرياح والطاقة الشمسية من القدرة أكثر من الثلثين مقارنة بالطاقة النووية عند ذروتها الأخيرة، وحتى لو كانت المحطات النووية تولد عادة قدرا أكبر من الكهرباء لكل وحدة سعة قائمة مقارنة بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن التباعد بين هذه الأرقام مذهل. في عام 2021، بلغ إجمالي الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة غير المائية رقما غير مسبوق (366 مليار دولار)، مما أضاف 257 غيغا واط (الصافي) إلى شبكات الكهرباء، في حين تناقصت الطاقة النووية العاملة بنحو 0.4 غيغا واط، وفي ذلك العام، جرى توصيل ستة مفاعلات جديدة فقط بالشبكة، وكان نصفها في الصين، وفي النصف الأول من عام 2022، دخلت خمسة مفاعلات جديدة الخدمة، اثنان منها في الصين، ولكن في حين أن الصين لديها أكبر عدد من المفاعلات قيد الإنشاء (21 مفاعلا اعتبارا من منتصف عام 2022)، فإنها لا تبنيها في الخارج.
حتى وقت قريب، كان هذا الدور تضطلع به روسيا، التي تهيمن على السوق الدولية بعشرين وحدة قيد الإنشاء، بما في ذلك 17 وحدة في سبع دول حتى منتصف عام 2022، ألقت العقوبات وغير ذلك من التطورات الجيوسياسية المحتملة بظلال من الشك على العديد من هذه المشاريع، حيث ألغى اتحاد شركات فنلندي بالفعل إقامة منشأة بناء على تصميم روسي.
الواقع أن 33 دولة فقط تشغل محطات نووية اليوم، وثلاث دول فقط- بنغلادش، ومِـصر، وتركيا- تبني مفاعلات لأول مرة (جميعها بشراكة مع الصناعة النووية الروسية).
عانى 26 من أصل 53 من مشاريع إنشاء المفاعلات في مختلف أنحاء العالم من تأخيرات عديدة، مع إبلاغ 14 مشروعا عن تأخيرات متزايدة، في حين أبلغ مشروعان عن تأخيرات جديدة، في العام الماضي فقط. للمرة الأولى، يتناول تقرير حالة الصناعة النووية العالمية أيضا تقييم مخاطر الطاقة النووية والحرب، فقد كان القلق الدولي كبيراً بشأن محطة الطاقة النووية زاباروجيا في أوكرانيا، التي احتلتها القوات الروسية منذ الرابع من مارس 2022، وبسبب القصف المتكرر داخل وحول المنطقة، فقدت المحطة على نحو متكرر الطاقة الخارجية، فانطلقت التحذيرات من الهيئة الدولية للطاقة الذرية بأن الوضع هناك “لا يطاق”، ويتطلب تشغيل أي منشأة نووية موظفين مهرة ومتحمسين ويعملون بارتياح؛ لكن هيئة العاملين الأوكرانيين في زاباروجيا يتعرضون لضغوط شديدة.يتمثل التحدي الأساسي الآن في الحفاظ على التبريد المستمر لقلب المفاعل وحوض الوقود المستهلك، حتى بعد إغلاق المفاعل، والفشل في تفريغ الحرارة من المواد المشعة المنحلة المتبقية من شأنه أن يؤدي إلى انصهار النواة في غضون ساعات، أو اشتعال الوقود المستهلك في غضون أيام أو أسابيع، مع إطلاق كميات ربما تكون ضخمة من النشاط الإشعاعي.
بينما يجتمع قادة العالم في مؤتمر الأطراف 27 لمناقشة أجندة إزالة الكربون العالمية، ينبغي لهم أن يركزوا على التكنولوجيات التي يمكن نشرها بسرعة وعلى مستوى العالم لتحل محل الوقود الأحفوري، وكما أوضحت الإصدارات المتتالية من تقرير حالة الصناعة النووية العالمية، فإن الطاقة النووية أبطأ وأكبر تكلفة من أن تتنافس مع تدابير كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.