الرئيسية / مقالات رأي / الصراع الجيوسياسي وقمة بالي

الصراع الجيوسياسي وقمة بالي

بقلم: محمد خليفة – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- إن التأمل العميق في طبيعة المشكلات والأزمات وما يتم رسم خطوطه وخرائطه على مختلف بقاع الأرض، يجعلنا نتوقع في القريب العاجل مزيداً من الأحداث التي تزمجر وتتعاظم من أجل إدخال العالم ككل في دوامة جديدة من الصراع الذي يخبو أحياناً، ويطفو إلى العلن أحياناً أخرى خاصة في منطقة المحيط الهادئ، تلك المنطقة الساخنة التي تمور بالصراع.

إن أوضح الظواهر وأنصعها ظاهرة الصراع العسكري، والتي تُخفي وراءها عدة أنواع من الصراعات، فتارة تظهر الصراعات الاقتصادية، وتارة الصراعات العرقية، وقد تكون طبيعة الصراع جغرافية وغير ذلك من الصراعات.

والمتابع لطبيعة الصراع في بؤرة المحيط الهادي يدرك جوهر الصراع الذي تحركه الهوية الحضارية، فعالم اليوم، بعد ثورة التكنولوجيا الرقمية، غيّر من تركيبة الواقع الدولي الجديد، فتبدلت القواعد وامّحت الحدود وأصبح العالم حقيقة لا افتراضاً قرية واحدة، يحكمها زعيم ومن خلفه معاونوه، وهنا صراع على النفوذ يظهر بين الفينة والأخرى، وهناك متفرجون يستمتعون بالمشاهدة، وعندما يُحسم الصراع يصفقون للمنتصر أياً كان.

ومع التقدم التكنولوجي الهائل في التسليح أصبح الصراع السياسي قضية تؤرق العالم، وتجعل من الأمن العالمي على شفير الخطر، بعد أن أمسى جزءاً لا يتجزأ من تنازع المصالح الاقتصادية. وهذا ما يعكسه الصراع الحاصل في المحيط الهادئ بين الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى؛ ورغم أن الصين لم تطرح نفسها منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة في السيطرة على مناطق النفوذ في العالم، لكن هذه الأخيرة استشعرت خطرها منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن، حيث بدأت تدرك أن هذه الدولة ليست كغيرها من الدول لما تملك من قدرات بشرية واقتصادية هائلة، وكان البنك الدولي قد قال في دراسة نشرها قبل سبعة أعوام، إن الصين ستصبح الاقتصاد الأضخم في العالم بين الأعوام 2020 و2030.

وقد تدهورت العلاقات بين الدولتين في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي وصفت إدارته الصين بأنها “خصم استراتيجي” انطلاقاً من “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي”. وبعد وقوع الحرب في أوكرانيا بسبب انسداد الأفق أمام الحلول بين الدول المتنافسة على حكم العالم، فقد بدأت الولايات المتحدة تتعامل مع الصين بطريقة أخرى، وتقدمت خطوات تجاه الصراع العسكري من خلال إجراء مناورات مع حليفتيها اليابان وكوريا؛ لاختبار قدرة الغواصات في أية حرب قد تحدث في المنطقة، وفي خطوة لاحقة أعلن سلاح الجو الأمريكي أنه يخطط لنشر ما يصل إلى ست قاذفات قنابل B-52 ذات القدرة النووية في شمال أستراليا؛ لتعزيز العلاقات الأمنية وسط مخاوف متزايدة بشأن غزو الصين لتايوان.

والهدف من نشر تلك القاذفات هو مراقبة المحيط الهادئ، ومراقبة نشاط الصين في ذلك المحيط الذي يتميز بسيطرة بريطانية وأمريكية عليه.

وتعد القاذفة B-52 من أكثر الطائرات الحربية تقدماً في العالم، فهي قاذفة ثقيلة بعيدة المدى يمكنها أداء مجموعة متنوعة من المهام. وهي قادرة على الطيران بسرعات عالية دون سرعة الصوت على ارتفاعات تصل إلى 50000 قدم، ويمكن أن تحمل ذخائر نووية أو ذخائر تقليدية موجهة بدقة مع قدرة ملاحة دقيقة في جميع أنحاء العالم. وبالتالي فإن مهمة تلك القاذفات في أستراليا هي مراقبة المحيط الهادئ لكشف أي تحرك تقوم به الصين وكوريا الشمالية سواء أكان على سطح المحيط أم في أعماقه. كما أن نشر تلك القاذفات يدل على أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين آخذ في التصاعد.

وخلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في بالي الأسبوع الماضي، اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن والزعيم الصيني شي جي بينغ لتهدئة الوضع، ووضع “خطوط حمر” للصراع بين بلديهما، في حين دعا وزير الخارجية الصيني الولايات المتحدة إلى التوقف عن ممارسة سياسة الردع، ومحاولة احتواء الصين، غير أن ذلك لن بغيّر في استراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهادئ شيئاً، فهي مصممة على احتواء الصين ومنعها من السيطرة على ذلك المحيط، وبالتالي عزل أستراليا التي لها قيمة عظيمة في نظر الولايات المتحدة لتطويق الصين. ورغم أن العالم يتوخى أن تتمكن الدولتان من إدارة الخلاف بينهما وبما يحول دون وقوع حرب عالمية مدمرة، لكن الواقع ينبئ عكس ذلك.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …