بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد أيام يلتقي الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في منتجع بالي الإندونيسي للمرة الأولى وجهاً لوجه. وأجندة اللقاء مثقلة بالمواضيع الجديرة بالبحث والنقاش، من التوتر حول تايوان إلى العلاقات التجارية التي باتت تخضع للتقلبات السياسية. وستكون الحرب الروسية – الأوكرانية والأزمات الدولية التي تسببت بها في مجالات الطاقة والغذاء والتضخم في الكثير من دول العالم، مطروحة أيضاً على الطاولة.يذهب بايدن إلى بالي معززاً بثقة بالنفس بعدما تجنب هزيمة مدوية في الانتخابات النصفية الأميركية الثلثاء الماضي، بينما شي جينبينغ يذهب إلى المنتجع الإندونيسي حاملاً تفويضاً من الحزب الشيوعي الصيني بولاية ثالثة في سابقة لم تحدث منذ ماو تسي تونغ. وفي جعبة الزعيمين الكثير من الهواجس المتبادلة بالنسبة للنفوذ في المحيطين الهادئ والهندي، المنطقة التي أصبحت الأهم على الصعيد العالمي، نظراً لمكانتها الجيوسياسية والاقتصادية، بعدما انتقل ثقل التجارة العالمية إليها.
ولن يكون من قبيل المبالغة القول إن من يربح آسيا يتوج على رأس النظام العالمي، وتكون له الغلبة على مدى قرنٍ مقبلٍ من الزمن. أمريكا تبدو ضنينة بالتفريط بهذه المنطقة وتعتبر الانتصار في المنافسة مع الصين وحدها الكفيلة بتمديد آحاديتها القطبية. ربما لهذا السبب تستعجل واشنطن حسم الحرب الروسية – الأوكرانية، كي لا يتشتت انتباهها عن آسيا، وتالياً منع الصين من استغلال هذا الأمر لتعزيز نفوذها في المنطقة.
الأهمية التي تشكلها آسيا، دفعت بايدن إلى جلاء الغموض الاستراتيجي الذي كانت تعتمده الولايات المتحدة إزاء الموقف من غزو صيني لتايوان. قال الرئيس الأمريكي إن واشنطن ستساعد الجزيرة في الدفاع عن نفسها إذا حاولت بكين استخدام القوة لدمجها بالبر الصيني. وبايدن هو الرئيس الأمريكي الأول منذ ريتشارد نكسون مؤسس سياسة الانفتاح على بكين، يقول كلاماً صريحاً حول مسألة بالغة الحساسية بالنسبة إلى الصين.
وبكلام آخر، ابتعد بايدن أشواطاً عن الموقف الذي تبناه أسلافه حول سياسة “صين واحدة”، التي كانت الأساس الذي بنيت عليه العلاقات التجارية الهائلة بين أكبر اقتصادين في العالم. ليس هذا فحسب، بل إن ثمة تكافلاً اقتصادياً بين السوقين الأمريكية والصينية. وأي اهتزاز في الاقتصاد الأمريكي يمكن أن ينعكس على الاقتصاد الصيني، والعكس صحيح.
الجواب الصيني على الموقف الأمريكي المستجد، كان تبني المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني بنداً جديداً في الدستور، ينص على عدم استثناء اللجوء إلى القوة من أجل إعادة الاتحاد مع تايوان. وذهبت الصين شوطاً بعيداً في عروض القوة رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايبيه في آب (أغسطس) الماضي. وقبل أيام فقط أعلن شي جيبينغ وهو يرتدي الزي العسكري، أن الجيش الصيني يستعد للحرب. لا بد أن الرجل كان يقرأ في كتاب الانتكاسات الكبيرة التي مني بها الجيش الروسي في أوكرانيا، فقرر أن يبني جيشاً أكثر حداثة وتماسكاً في مواجهة الجيش الأمريكي وجيوش الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة. وهذه أستراليا قررت العام الماضي تعزيز بحريتها بغواصات أمريكية تعمل على الطاقة النووية، بدلاً من صفقة الغواصات الفرنسية العاملة بالديزل.
بعد أوكرانيا، لا بد أن الصين باتت أكثر يقظة في المواجهة الأشمل مع أمريكا. ومع النيات الأمريكية المعلنة بمساندة تايوان، فإن الصين هي الأخرى مرغمة على استخلاص العبر والدروس، وعدم أخذ الأمور على أنها من المسلمات.
لذا، يكتسب اللقاء بين بايدن وشي جينبينغ أهمية بالغة، في وقت تشتد المنافسة على النفوذ اقتصادياً وعسكرياً. ومثلما تقارع واشنطن الصين في آسيا، تقارع بكين الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية ومناطق أخرى من العالم.