الشرق اليوم- هناك مخاوف مشروعة من أن تصبح مناطق عدة من القارة الإفريقية في قبضة الجماعات الإرهابية التي باتت تكشر عن أنيابها الإجرامية في أكثر من إقليم، لا سيما في جنوب الصحراء وشرق القارة؛ حيث تتصاعد العمليات التفجيرية والاختطافات، والاستهداف الممنهج للمؤسسات الرسمية والمواقع الاستراتيجية، وما يرافقها من نهب للثروات، وتهريبها بطرق شتى، بما يمكن تلك الجماعات من الحصول على موارد مالية ضخمة.
منذ سنوات، وتحديداً بعد نجاح الجهود الدولية في إجهاض المشاريع الإرهابية في سوريا والعراق وأفغانستان، والحد من تهديداتها، أصبحت القارة الإفريقية وجهة مفضلة للتنظيمات المتطرفة، مستفيدة من انتشار الصراعات، وضعف الدول والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وحتى تأثيرات التغير المناخي، تسعى الجماعات الإرهابية إلى استغلال نتائجها في المناطق التي تشهد جفافاً أو فيضانات؛ ذلك أن هذه الكوارث تجبر الملايين على الترحل أو تجعلهم عرضة للابتزاز والمساومة، مقابل تقديم المساعدات الغذائية والمالية، وهذه السيناريوهات باتت تتبعها جماعة “بوكو حرام” في النيجر ونيجيريا والكاميرون، وتحاول حركة “الشباب” المتطرفة، اتباعها في الصومال. ومن المؤسف أن كل هذه الظواهر السلبية، بدأت تتفاقم في الفترة الأخيرة من جرّاء تداعيات جائحة “كورونا”، وآثار الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها في الأوضاع الجيوسياسية، وما أسفرت عنها من مخاطر ظهور مجاعات ونقص في الغذاء، ونذر اندلاع أزمات أمنية خطرة وحروب تغذي بعضها التدخلات الخارجية. وفي الإجمال فإن هذا المشهد الإفريقي المأزوم لا يجب الاطمئنان إليه، لأن التأثيرات ستتجاوز القارة، وستصبح تهديداً كبيراً للأمن والسلم الدوليين.
قبل يومين، أكدت دولة الإمارات العربية، في اجتماع لمجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا، أن “مكافحة التطرف، بشكل فعّال، تتطلب اتباع نهج متكامل، يجمع بين كافة الأدوات المتاحة للمجتمع الدولي، وأن تتم مراعاة السياقات المحلية لهذا التهديد”، وقدمت، في هذا السياق، مقاربة طالبت بتحديث أطر العمل الدولي في مكافحة التطرف، وعدم التركيز على تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وتجاهل التنظيمات الرديفة لهما، فكل الجماعات التي تسفك الدماء، وتنتهك الحرمات، وتعمل على زعزعة سلم المجتمعات، تنطبق عليها قواعد الحرب على الإرهاب، ويجب التصدي لها من دون أي استثناء، ومنها حركة “الشباب” المتطرفة التي تستبيح الصومال، وترتكب المجازر بحق أبنائه ومستقبله.
ظاهرة الإرهاب تكبر وتتمدد في إفريقيا، وتتجه إلى أن تكون تحدياً عالمياً قد يخرج عن السيطرة. ولتفادي هذا المصير، لا يجب على المجتمع الدولي أن يستهين بما يجري؛ بل عليه أن يتداركها قبل فوات الأوان، فالقارة السمراء شاسعة، وتعاني الفقر والجوع والأمراض والصراعات والتدخلات الخارجية، وهذه العوامل تشكل بيئة خصبة، يترعرع فيها الإرهاب، وتتنامى فيها الجريمة، وهو ما يصادر حقوق شعوب بأكملها في الأمن والتنمية والسلام. وتأثيرات ذلك ستنعكس في العالم أجمع. وبما أن إفريقيا، التي توصف بأنها قارة المستقبل، وجهة استثمارية وساحة للتنافس لما تزخر به من ثروات وخيرات، فإنها لن تكون كذلك إذا فقدت أمنها، واستوطنها الإرهاب.
المصدر: صحيفة الخليج