بقلم: جمشيد شوكسي وكارول شوكسي
الشرق اليوم- تسعى الجمهورية الإسلامية إلى توسيع نفوذها وترهيب الآخرين، واختبار ذخائرها تزامناً مع زيادة عائداتها المالية، من خلال دعم الحلفاء وتسويق أسلحتها. تُصِرّ النُخَب السياسية والعسكرية في إيران على إنكار دور أسلحتها الناشئة في تزويد روسيا بكميات كبيرة من الذخائر، وكان الكرملين حذراً في مواقفه، فاعتبر تلك الأسلحة روسية، لكن بدأت أنظمة التسلح الروسية تفتقر إلى الذخائر بسبب العمليات المستمرة في ساحات المعارك والمجال الجوي الأوكراني، وتتصاعد الأدلة على التداعيات القاتلة التي يواجهها الجنود والمدنيون الأوكرانيون والبنية التحتية الأوكرانية بسبب طائرات مسيّرة قتالية وانتحارية واستطلاعية من صنع إيران، كذلك، يقول مسؤولون أميركيون إن مدرّبين من الحرس الثوري الإيراني وصلوا إلى قاعدة في شبه جزيرة القرم لتدريب الروس على استعمال الذخائر.
تثبت إيران بهذه الطريقة أنها تريد الوقوف إلى جانب حلفائها المعادين للغرب، فقررت طهران أن تدعم روسيا الآن، مثلما دعمت الحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سورية، وهكذا اتضحت الرسالة التي يحملها البلد إلى القيادات في بغداد، وبيروت، وصنعاء، وبيونغ يانغ، وحتى بكين، كذلك تريد طهران أن توجّه تحذيراً إلى الحكومات في واشنطن، ولندن، والقدس، وأبو ظبي، والرياض، فتؤكد عدم استعدادها لكبح طموحاتها الرامية إلى إعادة رسم النظام العالمي، بغض النظر عن إعادة إحياء الاتفاق النووي أو إلغائه.
على غرار ما حققته تركيا في أرمينيا عن طريق أذربيجان، تختبر إيران اليوم أحدث تقنياتها العسكرية في أوكرانيا عبر روسيا، من دون أن تضطر لتأدية دور البطولة في هذه الحملة، حيث قامت إيران بالمثل في اليمن وسورية، وحتى لو لم تستهدف الأسلحة الإيرانية إسرائيل مباشرةً من إيران يوماً، أصبحت الاعتداءات من جنوب لبنان مألوفة الآن، كذلك تأثرت القواعد الأميركية والكردية في العراق وسورية بصواريخ إيران الجديدة ودقيقة التوجيه، وتعرّضت شركة “أرامكو” السعودية لضربات مستهدفة عبر طائرات مسيّرة وصواريخ إيرانية في سبتمبر 2019، وفي غضون ذلك، استمرت اعتداءات متفرقة ضد منشآت للبتروكيماويات في المملكة العربية السعودية، وقد انطلقت من مناطق يسيطر عليها الحوثيون في شبه الجزيرة العربية، واليوم يملك الجيش الإيراني والحرس الثوري موقعاً أوروبياً يسمح لهما بجمع البيانات عن العمليات، ويستطيع الإيرانيون أيضاً أن ينشروا تهديداتهم في أوروبا مباشرةً، حتى لو استعمل الروس أسلحتهم بطريقة مختلفة عن إيران.
كانت روسيا تتكل على تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الإيرانية لسنوات، لكنها تحتاج الآن إلى آلات جاهزة للطيران، وفي المقابل، يسمح استعمال روسيا للأسلحة الإيرانية بإثبات قدرات تقنياتها القاتلة أمام العملاء المحتملين، ولا تزال فاعلية التكنولوجيا العسكرية الإيرانية محط جدل، حيث أسقطت الدفاعات الأوكرانية نصف الطائرات والصواريخ التي قدّمتها إيران على الأقل قبل أن تُسبب أي أضرار، لكن تتحسن مهارات المصنّعين والمشغّلين مع كل عملية جديدة، وسيكون لجوء جيش تابع لقوة عالمية أفضل طريقة لتحسين سمعة الذخائر الإيرانية. يحصد النظام الإيراني، الذي يشهد ضعفاً شديداً في عملته، مكاسب مالية من تزويد موسكو بالأسلحة، ورغم العقوبات المفروضة من الغرب، تملك روسيا الأموال الكافية لدفع ثمنها إلى إيران بفضل استمرار صادرات النفط والغاز، لا سيما إلى البلدان الآسيوية.
تثبت روسيا تقديرها لهذا التعاون عبر آليات مالية أخرى وطويلة الأمد، منها استثمار 2.7 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز الإيرانية، ويستطيع الحكام المستبدون في طهران أن يستعملوا هذه الأموال النقدية لحصد دعمٍ متزايد محلياً، مما يضمن صمود النظام رغم الاحتجاجات الحاشدة في الوقت الراهن. لكن رغم هذه السلبيات كلها، تبرز نتيجة إيجابية قد تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة ودول أخرى تسعى إلى كبح مناورات إيران الجيوسياسية، مثل إسرائيل والسعودية، وتسمح الظروف الراهنة لهذه الدول بتقييم قدرات إيران في العمليات القتالية بدل الاتكال على صور الأقمار الاصطناعية والمعلومات الاستخبارية، ويحتاج الغرب إلى هذا النوع من البيانات لأن أوكرانيا لن تكون الساحة الأخيرة التي تنشط فيها آلات القتل الإيرانية.
تسمح الأسلحة والتقنيات العسكرية لقادة طهران بتوسيع نفوذهم الإقليمي والعالمي، حتى أنها تمنحهم عائدات بديلة عن تلك التي خسروها بسبب العقوبات، فليس مفاجئاً إذاً أن يعلن قادة الجيش الإيراني أن بلدهم يسعى للتحول إلى واحد من أكبر مصدّري الأسلحة في العالم، وفي نهاية المطاف، قد لا تهتم الجمهورية الإسلامية بالفوضى التي تنشرها خارج حدودها، على اعتبار أنّ من يبيع الأسلحة لا علاقة له بأماكن استخدامها.