بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- كشفت الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، عن تناقضات وخلافات كبيرة داخل التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ليس فقط في المجالات الأمنية والعسكرية، وإنما في السياسة والاقتصاد أيضاً، وهي خلافات باتت تنذر بتفكك هذا التحالف، إذا لم تسارع الأطراف المعنية إلى إيجاد الحلول والتسويات الملائمة لها قبل فوات الأوان.
لسنوات طويلة بعد الحرب العالمية الثانية، ظلت أوروبا تعتمد في سياستها الدفاعية على الحليف الأمريكي الذي كان يوفر لها الحماية الضرورية، تحت مظلة حلف “الناتو” مع وجود نوع من التكامل الاقتصادي، وإن لم يكن يخلو من خلافات غالباً، ما كان يتم اللجوء إلى تسويات سريعة لها، كي لا تتحول إلى تهديد جدي للعلاقات بين الحلفاء. ومع ذلك، لم تمنع علاقات التحالف من ظهور أصوات قوية في أوروبا، قادتها فرنسا بزعامة إيمانويل ماكرون، وألمانيا في عهد المستشارة انجيلا ميركل، تطالب باستقلالية القارة العجوز، والتوقف عن الاعتماد على المظلة الأمريكية، وبناء جيش أوروبي موحد، والإبقاء على التحالف مع الولايات المتحدة من موقع الشراكة والمساواة، وليس من موقع التبعية الذي كان يكشف عن عورات القارة وضعفها وانصياعها للقرارات الأمريكية.
وحدة الموقف الغربي ظاهرياً تجاه أوكرانيا كانت تحمل في طياتها خلافات، غير معلنة، وغير مسموعة، بسبب هيمنة القرار الأمريكي، غير أن العقوبات الغربية وتداعياتها وأزمة الطاقة الناجمة عنها انعكست على القارة العجوز التي كانت تحاول النهوض من حالة ركود اقتصادي، تسببت بها سنوات جائحة كورونا، وبالتالي فقد بدأت تظهر تداعيات هذه العقوبات على المجتمعات الأوروبية، التي لجأت إلى الشارع للاحتجاج والتظاهر ضد الغلاء والتضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقص إمدادات الطاقة وغيرها، ليس فقط بسبب حلول فصل الشتاء، وإنما لأن عجلة الإنتاج تضررت كثيراً، بعدما توقف الكثير من المصانع وأدوات الإنتاج الأخرى، وأصبحت وظائف الملايين مهددة.
والأسوأ هو أن ارتفاع نسبة التضخم لدى الحليف الأمريكي- والتي كانت مادة أساسية في حملة الجمهوريين والديمقراطيين في الانتخابات النصفية- انعكس مباشرة على القارة الأوروبية، حيث عملت الإدارة الأمريكية في إطار مشروع لخفض التضخم على جذب الشركات والمستثمرين الأوروبيين، بتقديم تخفيضات ضريبية ضخمة، وصلت إلى حد تخفيض يصل إلى 7500 دولار لشراء سيارة كهربائية من مصانع في الولايات المتحدة، ناهيك عن الإعانات الضخمة التي تمنحها الولايات المتحدة للشركات على أراضيها. وقد أدى ذلك إلى انفجار الخلافات بين الحلفاء، حيث استشعر الأوروبيون الخطر، وهدد قادة الاتحاد باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، لوقف إمكانية اندلاع حرب تجارية، إذا لم تؤخذ في الاعتبار مصالح الشركات الأوروبية والاقتصاد الأوروبي، ويتم إيجاد حلول عادلة لمصالح الجانبين.
والخلاصة أن الخلافات غير المعلنة بين الحلفاء، حول تلبية الهواجس والمصالح الأمنية لروسيا، لوقف الحرب في أوكرانيا، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة، بالتزامن مع محاولات فرض الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد الأوروبي، دفعت هذه التناقضات إلى العلن، وباتت إمكانية تفكك التحالف الغربي واردة أكثر من أي وقت مضى.
الغرب
حرب أوكرانيا
أوروبا
الشرق اليوم