بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- ما الذي يستطيع المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا عبد الله باتيلي فعله في أزمة معقدة متشابكة أطرافها، ولم يقدر عليه أسلافه السبعة الذين انتهت مهمة كل منهم بخيبة أمل للشعب الليبي؟ حُظي تعيين باتيلي بدعم دولي، لكنه لا يستطيع الاعتماد عليه. فالمسافة بين الدعم اللفظي السهل والمساندة الفعلية التي تتطلب مواقف وتحركات، وربما أيضاً قيام دول بمراجعة سياساتها، بقيت شاسعة طول السنوات الماضية.
والمفترض أن يكون المبعوث الأممي قد كوَّن الآن فكرةً كافيةً عن الأزمة في ليبيا بعد نحو شهر من وصوله إليها، وألم بمكوناتها الداخلية السياسية والميليشياوية، وأبعادها الإقليمية والدولية. فقد عَقد لقاءاتٍ وأجرى اتصالاتٍ مع أطراف مختلفة داخل ليبيا وخارجها، لاستكشاف الطريق الذي صار عليه أن يمضي فيه، وتكوين تصور أولي يعينه في مهمته الصعبة، ويساعده قبل كل شيء على استعادة ثقة الشعب الذي لم يجد في عمل المبعوثين السابقين فائدةً، ومازال يبحث عمن يحقق استقراراً وأمناً يتطلع إليهما.
يتميز باتيلي بأنه أول إفريقي يتولى مهمة المبعوث الأممي إلى ليبيا. كما أن السنغال التي ينتمي إليها من أكثر الدول الإفريقية قرباً إلى العالم العربي عموماً، وبلدانه الواقعة في شمال إفريقيا خصوصاً. وربما يكون، بالتالي، أكثر درايةً بالأجواء العامة في أوقات الأزمات في بلدٍ تجمعه مع دولته بعض القواسم المشتركة. لكن هذا لا يُغني عن دراسة تفاصيل الأزمة باستفاضة، والإلمام بالأسباب التي عرقلت، ومازالت، حلَّها على مدى أكثر من عشر سنوات. ولهذا فأول ما يَشرع به الوسطاءُ المحترفون، حين يُقررون تحدي الصعوبات والعراقيل في أزماتٍ يعملون على حلها، هو دراسة تجارب أسلافهم الذين أخفقوا في المهمة، والسعي إلى معرفة العوامل التي أدت إلى فشلهم، ليلم المبعوث الجديد بما يتعين عليه تفاديه أو تجنُّبه، ومن ثم يُحدَّد الأساليب الجديدة التي سيُجرَّبها، ويضع بديلاً عن كل منها لكي لا يُحبطه اكتشاف أن هذا أو ذاك منها غير منتِج أو يؤدي إلى نتيجة غير التي توقعها. وإذا فعل ذلك، وسهر عليه وأخذ مهمته بوصفها تحدياً كبيراً، وليس مجرد وظيفة دولية بخلاف ما لوحظ في سلوك بعض أسلافه، قد يستطيع وضع خطة واقعية قائمة على دراسة وافية، وامتلاك بديل عنها (“الخطة ب”) أو أكثر.
ومن شأن هذا الإعداد الجيد أن يساعد باتيلي في بداية مهمته، وربما يفيد في تخفيف وقع اكتشافه أن صعوبة الأزمة تفوق ما توقعه، وخاصةً أنه يبدأ هذه المهمة فيما الاشتباكات بين الميليشيات في طرابلس تتجدد من وقتٍ إلى آخر. وهذا فضلاً عن وجود انقسام حكومي يضيف عائقاً جديداً أمام إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لا تكف القوى الدولية ذات النفوذ في ليبيا عن المطالبة بإجرائها.