بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- رسمياً، دخل لبنان في حالة فراغ سياسي، بعد مغادرة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون قصر بعبدا، وعجز مجلس النوّاب عن انتخاب رئيس جديد، في حالة تكرار لحالات فراغ رئاسي سابقة، وبعد أن أصبح من الطبيعي بالنسبة للنخب الحزبية أن تمارس عرقلة الاستحقاقات السياسية، من دون الاكتراث بمصير الدولة نفسها، في بلد لم يتعافَ منذ خروجه من الحرب الأهلية عام 1975، ولم يتمكن من تجاوز منطق التعطيل السياسي والحكومي، وما يتضمنه فعلياً من اصطفافات، ترسمها مصالح القوى الطائفية.
أصرّ الرئيس عون على إضافة تعقيد جديد للأوضاع قبل مغادرته موقع الرئاسة، بتوقيعه مرسوماً يقيل فيه حكومة نجيب ميقاتي، مع أنها من الناحية العملية هي حكومة تصريف أعمال، بعد أن سُدّت كل السبل في وجه تأليف حكومة جديدة، وفشل كل المباحثات التي جرت بين الرئيسين عون وميقاتي، والآن يدخل لبنان في فراغ على مستويي الرئاسة والحكومة، خصوصاً أن صلاحيات حكومة تصريف محددة فقط بمتابعة الشؤون اليومية لإدارة الوزارات، وهو ما يجعل منها سلطة تنفيذية منقوصة السيادة في المجال التنفيذي نفسه، مع غياب أي أفق لتشكيل حكومة جديدة، قبل أن تتّفق القوى السياسية على رئيس جديد للجمهورية.
قبل مغادرته الحكم، وقّع الرئيس عون على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في محاولة لتحقيق إنجاز ما، قبل تركه السلطة شاغرة، لكن، حتى هذا الإنجاز، يبدو في إطار المعطيات الراهنة، وعداً في المجهول؛ إذ ليس معروفاً بعد مقدار الغاز الموجود في المياه الإقليمية اللبنانية، والجدوى الاقتصادية منه، وكيفية الاستثمار فيه، ومدى خضوع العوائد المالية في حال وجودها لمنطق المحاصصة الطائفية.
خلال عهد الرئيس عون، تهاوت قيمة العملة الوطنية بشكل كارثي، في إطار أزمتين مالية وبنكية، خسر فيها المودعون القسم الأكبر من ودائعهم، وهبطت شريحة جديدة من المواطنين إلى ما دون خطّ الفقر. فقد ارتفعت نسبة الفقراء في لبنان بين أعوام 2019 و2022 من نحو 53% إلى نحو 85% من السكان، وبحسب تقديرات البنك الدولي، فقد دخل أكثر من مليون ونصف المليون مواطن في عِداد الفقراء في العام الحالي، وبلغ حجم رأس المال الهارب/ المهرّب من البلد 9.5 مليار دولار، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى أزيد من 41% من المواطنين القادرين على العمل.
قوارب الهجرة غير الشرعية من لبنان، أصبحت مؤخراً ظاهرة مألوفة، على الرغم من غرق بعضها في البحر، وموت معظم المهاجرين، كما في حادثة غرق المركب المبحر من طرابلس، وموت 89 شخصاً، فقد أصبح الموت في عرض البحر، مع القليل من الأمل بالوصول إلى أوروبا، خياراً أفضل بالنسبة للكثيرين من العيش في بلد، لا تبدو هناك أية نهاية لأزماته السياسية والمعيشية، وهو ما أظهره الكثير من التحقيقات الإعلامية التي تناولت هذا الملف، واللقاءات التي أجريت مع الناجين من الغرق، أو مع ذوي الضحايا.
الحراك الشبابي المدني العابر للطوائف الذي أطلق ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حقّق نتائج جزئية ونسبية، تمثّلت بإيصال بعض الوجوه التغييرية إلى البرلمان، لكن من الناحية العملية، فقد تم احتواء هذا الحراك من قبل الأحزاب الطائفية الكبرى، وتحويل مساره من المطالبة بتغيير المعادلة الطائفية، ومحاسبة رموز الفساد، إلى مجرد صراع على مقاعد في البرلمان، وبالتالي فصل هذا النضال عن جذوره الشعبية، وإفقاده دينامياته وأدوات ضغطه المباشرة.
كان مأمولاً بعد انتهاء الحرب اللبنانية، أن يتحوّل لبنان إلى ورشة إعمار كبرى، يستعيد معها لبنان دوره الحيوي في المنطقة العربية، وأن يعيد بناء اقتصاد وطني، يسمح بحياة كريمة لمواطنيه، لكن هذا الحلم انتهى باكراً، بتواطؤ القوى السياسية الطائفية، لإبقاء لبنان بلداً ريعياً، يضطر فيه المواطنون إلى موالاة هذه القوى، من أجل تأمين مقومات حياتهم المعيشية، ولتبقى الطائفية تمثّل منطق الضرورة، لكن هذه السيرورة، أوصلت لبنان إلى أسوأ مراحله بعد الاستقلال، حيث يبدو الإفلاس هو العنوان الأبرز، الذي يلخّص حالة لبنان في المجالات كافة.
منذ سنوات، والمؤسسات الدولية، بما فيها البنك الدولي، والجهات البحثية الرصينة، تؤكد أن وصول لبنان، بلداً ومؤسسات، إلى وضعه الكارثي الراهن أمر محتوم، ومع ذلك، فإن القوى المهيمنة على الميدان السياسي، أصرّت على تجاهل كل التحليلات والنداءات، واستمرت في ممارسة المناكفة السياسية على حساب المصلحة الوطنية العليا، في الوقت الذي كان فيه لبنان يمضي نحو الهاوية، وإحراز موقع متقدّم في قائمة الدول الفاشلة.