بقلم: سيونغ تشانغ شيونغ
الشرق اليوم- صواريخ بالستية كورية شمالية عابرة للقارات تحمل رؤوساً نووية حان الوقت الآن ليستعمل التحالف الثنائي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ورقة “التسلح النووي الكوري الجنوبي” لإزعاج كيم جونغ أون، وإلا فسيندم الجميع على عدم التحرك في الوقت المناسب.
لم تكفّ التهديدات النووية والصاروخية التي تطرحها كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية والولايات المتحدة عن التصاعد في الفترة الأخيرة، وعلى وقع هذه التهديدات النووية الخطيرة، يُفترض أن تستعد سيول وواشنطن لأسوأ السيناريوهات المحتملة، كأن تندلع حرب نووية مع كوريا الشمالية. في شهر أبريل الماضي، أعلنت كوريا الشمالية أنها تنوي نشر أسلحة نووية تكتيكية، ثم تبنّت بيونغ يانغ في شهر سبتمبر قانوناً جديداً على صلة بالسياسة النووية، وهو يسمح للبلد بإطلاق ضربة نووية استباقية ضد كوريا الجنوبية، واعتباراً من نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر، نفذت “وحدات العمليات النووية التكتيكية” في كوريا الشمالية تدريبات لإطلاق صواريخ مُصمّمة لضرب أهداف كورية جنوبية محتملة مثل المطارات، والموانئ، ومراكز القيادة، كذلك أطلقت كوريا الشمالية، في 4 أمتوبر، صاروخاً بالستياً متوسط المدى بزاوية عادية، مما يسمح للصاروخ بالتحليق فوق اليابان وصولاً إلى المحيط الهادئ، وأثبت هذا الاختبار مجدداً أن كوريا الشمالية قادرة على بلوغ الأرض الأميركية في غوام، إذا قررت الولايات المتحدة التدخّل في الاشتباكات العسكرية بين الكوريتَين.
من المتوقع أن تطلق كوريا الشمالية مستقبلاً صاروخاً بالستياً عابراً للقارات بزاوية عادية نحو المحيط الهادئ لاستعراض قدرتها على اختراق الغلاف الجوي وبلوغ الأراضي الأمريكية، ومن المنتظر أيضاً أن تبني كوريا الشمالية غواصات عاملة بالطاقة النووية، بما يشبه المشروع المقترح خلال المؤتمر الثامن لحزب العمال الكوري، في عام 2021، لاستعراض قدرات الضربة الثانية.
من المتوقع أن تطلق كوريا الشمالية مستقبلاً صاروخاً بالستياً عابراً للقارات لاستعراض قدرتها على اختراق الغلاف الجوي وبلوغ الأراضي الأمريكية في ظل توسّع الترسانة النووية الخاصة بكوريا الشمالية بهذه السرعة، بدأت التهديدات التي تطرحها على كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تتصاعد في الوقت نفسه، لكن تُلاحق الإدارات المتعاقبة في هذين البلدين هدفاً وهمياً “لنزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية”، من دون ابتكار أي حلول واقعية للأزمة النووية في ذلك البلد، وفي مقالة جديدة في صحيفة “نيويورك تايمز”، ادعى جيفري لويس، خبير في منع الانتشار النووي في “معهد ميدلبري للدراسات الدولية”، أن الوقت حان كي تعترف الولايات المتحدة بفشل جهودها الرامية إلى نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، وتتقبّل تسلّح البلد نووياً، فإذا كانت أسلحة بيونغ يانغ النووية تطرح تهديداً على الولايات المتحدة وحدها، فمن المنطقي أن تعترف الإدارة الأمريكية بكوريا الشمالية كدولة نووية بحكم الواقع، لكن فيما تطرح تلك الأسلحة نفسها تهديداً مباشراً وأكثر خطورة على كوريا الجنوبية، سيكون أي اعتراف أمريكي بأسلحة كوريا الشمالية النووية أشبه بخيانة للكوريين الجنوبيين.
لإخماد الاضطرابات ومنع أي حرب نووية محتملة مع كوريا الشمالية، يجب أن يعتبر صانعو السياسة والأكاديميون الأمريكيون اقتناء كوريا الجنوبية للأسلحة النووية خياراً محتملاً، حيث سيتمكن البلد في هذه الحالة من بدء مفاوضات للحد من التسلح النووي مع كوريا الشمالية، ووفق استطلاعات رأي متنوعة بين العامَين 2021 و2022، يدعم أكثر من 70% من الكوريين الجنوبيين (74.9% بحسب الأرقام التي نشرها معهد “ساند” للأبحاث في شهر يونيو الماضي) تسلّح بلدهم نووياً خوفاً من قنابل كوريا الشمالية، فقد تتجاوز هذه النسبة عتبة الثمانين في المئة إذا نفّذت كوريا الشمالية سابع اختبار نووي. وفي حين يطالب بعض السياسيين اليمينيين الكوريين بإعادة نشر الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية للتصدي للتهديدات النووية الكورية الشمالية، يفضّل الرأي العام في كوريا الجنوبية على ما يبدو تطوير أسلحة نووية محلية، ففي ديسمبر الماضي، أجرى مجلس شيكاغو للشؤون العالمية استطلاعاً شمل 1500 كوري جنوبي، واعترف فيه 67% من المشاركين بأنهم يفضلون “تطوير أسلحة نووية محلياً” على “نشر أسلحة نووية أمريكية”.
في المقابل، يفضّل 9% منهم فقط الخيار الثاني. بعض الخبراء الأمريكيين يشعرون بالقلق من احتمال أن يؤدي تطوير أسلحة نووية في كوريا الجنوبية إلى إضعاف التحالف بين واشنطن وسيول يشعر بعض الخبراء الأمريكيين بالقلق من احتمال أن يؤدي تطوير أسلحة نووية في كوريا الجنوبية إلى إضعاف التحالف بين واشنطن وسيول وتقريب كوريا الجنوبية من الصين، لكن من المستبعد أن يتحقق هذا السيناريو، فوفق “استطلاع التوحيد لعام 2022” الذي نشره “معهد دراسات السلام والتوحيد”، في 22 سبتمبر، في جامعة سيول الوطنية، سُئِل المشاركون: “ما البلد الأقرب إليكم”؟ فاختار 80.6% منهم الولايات المتحدة، في حين فضّل 9.7% كوريا الشمالية، تليها اليابان (5.1%)، ثم الصين (3.9%)، ثم روسيا (0.5%).
تشعر الأغلبية المطلقة (حوالى أربعة أخماس المشاركين) بأنها أقرب إلى الولايات المتحدة إذاً، ويتراجع في المقابل التقارب بين كوريا الجنوبية والصين، من المستبعد أن تنقلب هذه المشاعر تجاه الولايات المتحدة أو الصين في حال اكتسبت كوريا الجنوبية أسلحة نووية. قد تنهار ثقة الكوريين الجنوبيين بالتحالف الثنائي إذا أبدت الولايات المتحدة ترددها في الرد على اعتداءات كوريا الشمالية النووية ضد جارتها الجنوبية عبر استعمال الأسلحة النووية، وإذا حصلت سيول على أسلحة نووية خاصة بها، يستطيع البلد أن يردّ على اعتداءات جارته الشمالية عبر استخدام ترسانته النووية الخاصة، فهذا الخيار سيحرر الولايات المتحدة من معضلة استعمال الأسلحة النووية للدفاع عن حليفتها في شرق آسيا، وفي نهاية المطاف، ستتحرر الأراضي الأمريكية وحياة المواطنين الأمريكيين من تهديد القنابل النووية الكورية الشمالية أيضاً، كذلك، قد يصبح تعامل كوريا الشمالية مع أسلحتها النووية مدروساً وأكثر حذراً إذا اكتسبت جارتها الجنوبية أسلحتها النووية الخاصة، مما يعني تراجع احتمال الاستعمال النووي قبل بلوغ عتبة معينة.
باختصار، ستستفيد سيول وواشنطن معاً من استحواذ كوريا الجنوبية على أسلحتها النووية الخاصة، لأن هذا الوضع يُخفّض احتمال أن تستخدم بيونغ يانغ ترسانتها النووية في شبه الجزيرة الكورية ويحمي الولايات المتحدة من حرب نووية مع كوريا الشمالية، لكن لم تفكر الإدارة الكورية الجنوبية جدّياً بخيار التسلح النووي بعد خوفاً من مواجهة معارضة قوية أو عقوبات صارمة من واشنطن، وفي هذه الظروف، يجب أن تقترح الإدارة الأمريكية إطلاق محادثات مغلقة، عبر اجتماعات ثنائية ورفيعة المستوى، لمناقشة هذه المسألة والتوصل إلى حل يرضي الطرفين. على صعيد آخر، قد تكون “الورقة النووية الكورية الجنوبية” كفيلة بكبح التهديدات النووية التي تطرحها بيونغ يانغ، حتى أنها قد تشجّع الصين على توسيع دورها لحل المشاكل المرتبطة بكوريا الشمالية، ولهذا السبب، من غير المنطقي ألا يستفيد التحالف الأمريكي الكوري الجنوبي من هذه الورقة.
إذا أعلنت كوريا الجنوبية أنها مضطرة للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية إذا أطلقت كوريا الشمالية سابع اختبار نووي، قد تزداد بيونغ يانغ اضطراباً لأن جارتها الجنوبية تملك المواد الخام اللازمة لإنتاج أكثر من 4 آلاف رأس حربي نووي، وفي هذه الحالة، قد تضغط الصين على كوريا الشمالية لثنيها عن إطلاق سابع اختبار نووي لأن بكين لا تريد أن يتحقق أسوأ سيناريو محتمل، حيث يدفع تسلّح سيول نووياً بطوكيو وتايبيه إلى تطوير الأسلحة النووية أيضاً.
إذا أقدمت كوريا الشمالية على إطلاق اختبارها النووي في مطلق الأحوال، يجب أن تعلن الحكومة الكورية الجنوبية أنها بصدد تنفيذ خططها المرتبطة بالتسلح النووي، تزامناً مع الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا إذا عادت كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات لمناقشة مسألة نزع سلاحها النووي مع جارتها الجنوبية، والولايات المتحدة، والصين، خلال مهلة ستة أشهر، وهذا النوع من التصريحات عن “التسلح النووي المشروط” من جانب كوريا الجنوبية سيمنع بيونغ يانغ على الأرجح من تجاهل جارتها الجنوبية غير المسلّحة نووياً، حتى أن كوريا الشمالية قد تبدأ التفكير جدّياً بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي غضون ذلك، من المتوقع أن تدعو بكين بيونغ يانغ للعودة إلى المحادثات المرتبطة بنزع السلاح النووي، عبر فرض أقصى درجات الضغوط، لمنع التداعيات النووية من بلوغ سلسلة من الدولة الأخرى ودفع اليابان وتايوان مثلاً إلى التسلح نووياً بعد سيول. أخيراً، تستطيع واشنطن وسيول أن تتناقشا حول تسلّح كوريا الجنوبية نووياً إذا فشلت هاتان الخطوتان في الضغط على كوريا الشمالية والصين، لكن حان الوقت الآن كي يستعمل التحالف الثنائي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ورقة “التسلح النووي الكوري الجنوبي” لإزعاج كيم جونغ أون، وإلا سيندم الجميع على عدم التحرك في الوقت المناسب.