بقلم: سيباستيان بوسوا
الشرق اليوم– الحرب في أوكرانيا تلعب دور مسرّع الجسيمات، حيث تخاطر أوروبا بخسارة كل شيء من حيث تعتقد أنها يمكن أن تربح كل شيء.
يميل العالم نحو الشرق، وستحكمه آسيا “الاستبدادية” غدا أو بعد غد، ولن يكون أمام الغرب سوى التكيف، خاصة أن الأزمة الحالية أدت إلى ظهور قطبين متعارضين، هما الولايات المتحدة التي لا تزال سيدة الغرب المنحل، وآسيا التي يجسدها محور موسكو بكين الذي أصبح أقوى.
هناك ما يشبه الإنكار الانتحاري لدى الغرب منذ سنوات، وذلك لرفضه الاعتراف بأن العالم قد تحول بالفعل إلى الشرق، خاصة أنه يلعب على انهيار الغرب الذي فقد إغراءه وقيمه الديمقراطية، وينوي إنهاء هيمنته، في عملية انتهازية يتجلى فيها منطق التاريخ.
وبعد أن تمتع الغربيون لقرون بقيادة عالمية وأنتجوا أدواتهم الخاصة للشرعية والتنظيم الدوليين من خلال التعددية التي أصبحت الآن تتعثر، فإن إعادة بناء كل شيء، وإشراك العديد من القوى الجديدة، لم يكن قد فات أوانه بعد ولكن هيمنة الدولار في التجارة الدولية تجعل الغرب يقاوم، حتى لو تم تحدي هذه الهيمنة بشكل خطير من قبل موسكو وبكين وتوابعهما الاقتصاديين.
الصدع الحضاري
وتلعب الحرب في أوكرانيا دور مسرّع الجسيمات، حيث تخاطر القارة العجوز بخسارة كل شيء من حيث تعتقد أنها يمكن أن تربح كل شيء، وبالتالي تكشف هذه الحرب عن صدع حضاري رئيسي جديد، حيث أوروبا المتعثرة ابتليت على جبهتها الشرقية باليمين المتطرف، والولايات المتحدة وراء الكواليس يمزقها العديد من المتطرفين، وحلف شمال الأطلسي يقاوم موسكو من خلال توفير الوسائل والمعدات العسكرية لكييف دون حساب.
وهناك في الناحية الأخرى الصين والهند وجزء كبير من إفريقيا وبعض دول آسيا الوسطى متأثرة بالكرملين، مما يعني أن روسيا، مهما ظننا، يعشقها بصمت ملايين الأفراد الذين لم يعودوا يقبلون بالأبوة الغربية.
وهكذا وصلنا إلى نقطة تحول تاريخية، حيث يُنظر إلى “تضحية” روسيا على أنها ممر لا مفر منه وتطهير أساسي، لظهور “عالم جديد” ولن يكون أمام الغرب، وخاصة أوروبا، خيار للبقاء سوى التصالح مع هذا العالم الجديد الذي يخيفنا كثيرا.
إن العالم يواجه صراعا حقيقيا بين الحضارات، ولا بد من الدبلوماسية والحوار إذا لم نرغب في الانخراط بالحرب، كما أن من الضروري بذل جهد كبير لتعلم ومعرفة هذه القوى الجديدة التي نرفضها قبل كل شيء بسبب الجهل.