بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- دخل لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي بأسوأ طريقة ممكنة، بعد أن عجزت القوى السياسية عن انتخاب خلف للرئيس ميشال عون، وبعد أن تحولت حكومة تصريف الأعمال التي كان من المفترض أن تسير أمور البلد إلى موضوع للسجال، وكأن لبنان يعيش لحظة ترف الانتعاش الاقتصادي والمالي والاجتماعي، ولم يتبق سوى الكيدية السياسية التي ستجد طريقها إلى الحل طال الفراغ أم قصر.
رحل ميشال عون محذراً من الفوضى التي سترافق الفراغ ومبدياً استعداده لخوض المعارك السياسية المقبلة بعد أن تحرر من قيود الرئاسة، من دون أن ينسى، قبل مغادرته القصر الرئاسي، أن يصدر مرسوماً بقبول استقالة الحكومة المستقيلة أصلاً، ليصبح الفراغ فراغين، حكومي ورئاسي، وليحتدم السجال حول دستورية هذه الخطوة من عدمها، وحول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وما إذا كان يحق لها أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية في مرحلة الفراغ، ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وبغض النظر عن صحة هذه الخطوة من عدمها، فإن البرلمان باعتباره ممثلاً للشعب هو المعني بحسم الجدل حول هذه القضية. ربما يكون هذا هو حال معظم، إن لم نقل كل السياسيين في لبنان، الذين يضعون أجنداتهم السياسية ومصالهم الشخصية فوق المصلحة الوطنية، غالباً بسبب التركيبة الطائفية للبلاد، فكيف سيكون الحال حين يتعلق الأمر بقضايا كبرى مثل الفراغ الرئاسي والحكومي؟
في الحالة اللبنانية، لم يعد التحذير من الفوضى كافياً لمنع حدوث المزيد من الكوارث في بلد يعاني، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، سلسلة أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومعيشية وانهياراً مالياً، هي من بين الأسوأ في العالم، وبالتالي كان يجب العمل على معالجة الأسباب التي ستؤدي إلى الفوضي قبل حدوثها. لكن ذلك لم يحدث، لتلعب الكيدية السياسية والحسابات الشخصية والمصالح الفئوية والطائفية دورها على أكمل وجه. ولعل الخشية الأكبر في هذا المقام هي أن يجّر الفراغ البلاد إلى فوضى أمنية وربما إلى تناحر واقتتال داخلي يستحضر ذكرى الحرب الأهلية الأليمة والمشؤومة.
مشكلة أخرى في لبنان، لا تقل أهمية عن مشاكله الداخلية، وهي أن قراره غالباً ما يكون معلقاً على الخارج، وعلى التوازنات الإقليمية والدولية، وبالتالي فإنه يبقى في حالة انتظار لانبعاث الضوء الأخضر من هذه الجهة أو تلك، ولكن ماذا لو لم يأت هذا الضوء الأخضر بسبب الظروف العالمية الراهنة وانشغال المجتمع الدولي بقضايا ذات أولوية بالنسبة له، هل يمتد وحش الفراغ بكل ما يحمله من مخاطر إلى فترة طويلة، قد تأتي بما لا يحمد عقباه، قبل أن يتم التوافق حول رئيس جديد.
البعض يرى أن الأمور ستتضح أكثر بعد الانتخابات النصفية الأمريكية، ولكن بالمقابل، ما الذي يمنع اللبنانيين لو قرروا، ولو مرة واحدة، التخلي عن أنانيتهم والذهاب إلى حوار وطني، بمعزل عن الخارج، والتوافق حول “رئيس قوي” قادر على الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها وعروبتها، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية والمطلوبة لانتشال البلاد من الهاوية إلى الأمان والمستقبل الواعد.