بقلم: بولور لخاجاف
الشرق اليوم- أصبح أمن شمال شرق آسيا مُهدداً بسبب التحركات المربكة التي تتخذها الأطراف الإقليمية، فقد بدأت البيئة الأمنية في هذه المنطقة تتغير غداة الغزو الروسي لأوكرانيا واستفزازات كوريا الشمالية الأخيرة، حتى أن هذه الاضطرابات المحفوفة بالمخاطر قد تكبح ما تستطيع بلدان أخرى، مثل منغوليا، فعله لإخماد أي تصعيد محتمل.
في هذه الظروف، يجب أن يتطرق أي حوار حول البيئة الأمنية في شمال شرق آسيا إلى إقدام روسيا على ضم مجموعة من الأراضي الأوكرانية، والحملة الأخيرة التي أطلقتها كوريا الشمالية لاختبار المدفعيات والصواريخ البالستية، وقد لا تكون دول شمال شرق آسيا معنيّة مباشرةً بالحرب الروسية، لكن أنتجت هذه الحرب صدمات سياسية واقتصادية وأمنية، حتى أن تحركات الكرملين زادت على الأرجح تصميم بيونغ يانغ على تكثيف اختباراتها.
على وقع المشاكل الأمنية المرتقبة في هذه المنطقة، يظن بعض المحللين أن البيئة الراهنة تشكّل نقطة تحوّل في الوضع الهش أصلاً في شمال شرق آسيا، ولكبح الاضطرابات الحالية أو تخفيف حدّتها على الأقل، قد تضطر دول المنطقة للتفكير بوضع إطار عمل أمني رسمي، ولن يكون هذا الإطار بديلاً عن واجبات الدول في الأمم المتحدة، أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بل إنه يسمح بتكثيف التواصل والحوار في مسائل أمنية محددة.
في تحليل نشرته “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” في شهر مايو الماضي، اقترح توبي دالتون، وميغان دوبوا، وأنكيت باندا، “هندسة أمنية إقليمية” على شكل “مجموعة من الآليات الرسمية وغير الرسمية لتنظيم الحوار، والتأكيد على المعايير السلوكية، وتخفيف أسباب التوتر، وإخماد الأزمات قبل تحوّلها إلى صراع عسكري”.
لكن يصعب إقرار هذا النوع من أُطُر العمل الأمنية في الوقت الراهن بسبب غياب الثقة بين اليابان والكوريتَين، وتراجع الثقة بين روسيا، والصين، واليابان وكوريا الجنوبية المتحالفتَين مع الولايات المتحدة، بعبارة أخرى، يفتقر الوضع إلى الركيزة الأساسية المتمثّلة بالثقة المتبادلة لطرح إطار عمل أمني موحّد.
تصاعدت التهديدات التي تطرحها كوريا الشمالية على اليابان وكوريا الجنوبية منذ أول اختبار للصواريخ البالستية العابرة للقارات في عام 2017. يجب أن تعترف الدول المعنية إذاً بأن جميع السياسات والحوارات الماضية فشلت في تغيير دوافع بيونغ يانغ.
تأتي الاضطرابات المتلاحقة لتُصعّب موقف منغوليا، مع أنها الدولة الوحيدة التي تقيم علاقات قوية مع جميع الأطراف الإقليمية الأخرى في شمال شرق آسيا، ورغم الجهود التي بذلتها أولان باتور لإطلاق حوارات أمنية إقليمية عن طريق القنوات الدبلوماسية، تتوخى منغوليا الحذر من أي تهديد قد يجرّ البلد إلى صراع إقليمي، ويؤكد استمرار العلاقة الثنائية بين منغوليا وكوريا الشمالية على أن استفزازات بيونغ يانغ لا تستهدف أولان باتور، لكن يتوقف أمن منغوليا في نهاية المطاف على وضع المنطقة المحيطة بها. على المدى القصير والمتوسط، قد تؤدي استفزازات بيونغ يانغ إلى زيادة نفقات الدفاع في شمال شرق آسيا، وفي حين تعمد الدول الفردية إلى زيادة إنفاقها على الدفاع، ستصبح المنطقة مضطربة وفي حالة تأهب قصوى.
كذلك، تأتي المواقف الاستفزازية المفرطة بشأن الأسلحة النووية في وسائل الإعلام لتؤجج مشاعر الارتياب في المنطقة ككل، هذه المواقف لا تُسهّل حماية الأمن والسلام في شمال شرق آسيا، حتى أنها تُصعّب الحفاظ على الوضع الراهن. أخيراً، تؤكد البيئة الشائكة التي توجد فيها أولان باتور على المشاكل التي تواجهها الدول غير المسلّحة نووياً، وقد لا تُهدد هذه الدول الآخرين، لكنها تفتقر في الوقت نفسه إلى القوة اللازمة لمنع الأطراف الأخرى من اختبار قدراتها النووية، أو حتى استعمالها في مرحلة معينة.