الشرق اليوم- الحديث المتكرر عن احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل في الصراعات الدولية، ينبئ بعواقب وخيمة، يمكن أن يفضي إليها هذا المسار، في ظل تصاعد التوتر وغياب الحوار المسؤول بين الدول الفاعلة. ويبدو أن التركيز على هذا المحظور ينبع من أزمة عميقة أصابت العالم بعد الأزمة الأوكرانية والتأثيرات الاقتصادية الكبيرة التي أصابت الدول الكبرى ذات القدرة على استخدام الأسلحة النووية وغيرها من الذخائر المحرمة، إذا تعرض وجود تلك الدول للخطر.
الخوض في هذه المشكلة، يستوجب التسليم بأن أي استخدام لهذا النوع من السلاح يعتبر جريمة لن يغفرها التاريخ لمن يرتكبها، كما أنها ستكون اعتداء على “الإنسانية المشتركة”، مثلما أكد بيان الإمارات أمام مجلس الأمن خلال مناقشته الوضع في أوكرانيا. ومن هذا المنطلق فإن مجرد التلويح بخيار الدمار الشامل يبقى موقفاً غير مسؤول، وله تداعيات كبيرة، وقد يحفز أطرافاً دولية عديدة على السعي إلى امتلاك هذه الأدوات الفتاكة، وهو ما سيؤدي لاحقاً إلى إتلاف كل المعاهدات والاتفاقيات التي تعمل على إخلاء العالم من السلاح النووي، ويزعزع الاستقرار في كل مكان ويضع البشرية على حافة الهاوية، ويدفعها إلى مصير مجهول لم يكن ليخطر على بال.
ما يدور من تهديدات وتحذيرات بين روسيا والولايات المتحدة وبينهما أوروبا، يؤكد أن المجتمع الدولي قد بلغ درجة من التفكك والانحدار لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، فكل الأطراف أصبحت اليوم متورطة في التلويح بالخيار النووي، بل هناك تحركات على الأرض وخطط بصدد الرسم وسيناريوهات مرعبة يجري تداولها وكأنها من أفلام الخيال العلمي. وما المناورات النووية الأخيرة التي نفذتها كل من روسيا وحلف الأطلسي إلا دليل على خطيئة بصدد التشكل، رغم أن مثل هذه المناورات سنوية، لكنَّ إجراءها في هذه الأجواء المتوترة يجعل لها دلالات خطيرة، رغم علم جميع الأطراف بأن هذا التوجه ليس لعباً بالنار فحسب، بل مسعى إلى الانتحار الجماعي والفناء والخسران العظيم.
صحيح أن التصعيد العالمي بلغ درجة لا تحتمل، وأن حرباً عالمية ثالثة بدأت تكشر عن أنيابها من كل جانب، لكن مع ذلك هناك مجال للتدارك وإنقاذ المجتمع الدولي من نكبة غير مسبوقة. ومن أجل الأجيال المقبلة والتاريخ الإنساني المشترك وكل القيم السامية، يجب على القوى المتصارعة أن تحتكم سريعاً إلى الحوار لحل الخلافات القائمة على أساس المصالح المتبادلة، فالعالم مهما ضاق يبقى رحباً للجميع وبالإمكان تحويل هذه الوضع الخانق إلى فرصة خلاقة للتعاون والرقي بأسباب الحياة.
وفي أوكرانيا، يمكن للأزمة أن تنتهي خلال ساعات إذا اقتنع المتصارعون بضرورة خفض التصعيد واللجوء إلى القنوات الدبلوماسية لحل النزاع. أما الإصرار على تأجيج المعركة فلن يفيد، وقد يؤدي إلى صدام كبير لن يتحمل العالم وقعه وتداعياته. والتلويح المتبادل باستخدام أسلحة الدمار الشامل مقدمة مشؤومة لما قد يحدث في يوم ما إذا غابت الحكمة والتعقل.
المصدر: صحيفة الخليج