بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- نجح شي جين بينغ في تكريس نفسه بين كبار القادة التاريخيين في الصين، بعد أن أحكم سيطرته على الجيش ومؤسسات صنع القرار في البلاد؛ بل فرض نفسه زعيماً أوحد منذ عهد الزعيم “المؤسس” ماو تسي تونغ، بعدما أتاح له المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني، إدخال تعديلات جوهرية على ميثاق الحزب، وضخ دماء جديدة موالية له في قياداته، ليضع الصين على مشارف حقبة جديدة.
صحيح أن انتخاب شي لولاية ثالثة على رأس الدولة والحزب، يمثل امتداداً لسياساته السابقة في المجالات المختلفة، ويتيح له استكمال برنامجه السياسي والتنموي والاقتصادي والاجتماعي وتطوير قدرات البلاد العسكرية والاقتصادية، إلا أن الأجندة المرتقبة، ستحمل معها الكثير من التحديات المغايرة، على الأرجح، لما شهدته الصين خلال ولايتيه السابقتين.
وعلى الرغم من أنه حاول ربط إنجازاته بإنجازات أسلافه، حين أكد أنه “بعد أكثر من أربعين عاماً من الجهود الحثيثة من أجل الإصلاح والانفتاح، حققنا معجزتين؛ وهما: تنمية اقتصادية سريعة، واستقرار اجتماعي بعيد الأمد”، فإنه في الواقع يسير على خطى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعاد بناء روسيا على أنقاض الاتحاد السوفييتي. وتماماً كما فعل بوتين حين أجرى تعديلات دستورية تتيح له البقاء على رأس السلطة أكثر من ولايتين، أجرى شي تعديلات مشابهة تقريباً حين ألغى في 2017 مسألة الولايتين، بما يتيح له البقاء في السلطة مدى الحياة.
وربما لهذا السبب، عمل على فرض نفسه “شخصية محورية” في الحزب والدولة وفقاً لقرارات المؤتمر، ونجح في إدخال نص يؤكد “معارضة استقلال تايوان”، للمرة الأولى، في ميثاق الحزب. وهو ما يعني، إبقاء الباب مفتوحاً أمام إعادة توحيد تايوان مع الوطن الأم، حتى لو اضطر لاستخدام القوة، الأمر الذي يُبقي على حالة التوتر القائمة مع الغرب من بين جملة من التحديات الكبرى التي يواجهها. لكن التحدي الأبرز يكمن فيما إذا كان قادراً على عدم السماح بعزل الصين عن العالم، وقد أشار إلى ذلك صراحة حينما قال: إنه “لا يمكن للصين أن تتطور من دون العالم، والعالم أيضاً بحاجة إلى الصين”.
بهذا المعنى، يمكن القول إن المؤتمر العشرين كرّس نهجاً أكثر محافظة للقيادة الصينية الجديدة، على الرغم من إشارات شي حول استعداده للانفتاح على العالم وإبداء المرونة في حل القضايا العالقة مع الغرب. غير أن التطورات العالمية الراهنة والعقوبات والحروب التجارية والاقتصادية التي يشنها الغرب على الصين، ودعم تايوان بكل الوسائل، وتشجيعها على الاستقلال، وتشكيل الأحلاف العسكرية والأمنية، لمحاصرة الصين، والسيطرة على بحرها الجنوبي، لا تُبقي أمام بكين من خيارات سوى دفعها للمضي قدماً نحو تمتين تحالفها وشراكتها الاستراتيجية مع موسكو، وربما البحث عن تحالفات جديدة، خصوصاً وأن موسكو وبكين باتتا تتحدثان لغة واحدة، وباتت لديهما القناعة الكاملة بأن النظام العالمي القديم في طريقه إلى الزوال، وأن نظاماً عالمياً جديداً متعدد الأقطاب قيد التشكل من المأمول أن يكون أكثر عدلاً لشعوب العالم.