بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يسلط الضوء على “إعلان الجزائر” الذي وقعت عليه الفصائل الفلسطينية في العاصمة الجزائرية في أكتوبر 2022، برعاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ويتطرق إلى الدور الجزائري في القضية الفلسطينية، ويتناول أهم ما جاء في الإعلان من مبادئ
أدناه نص الورقة التحليلية كما ورد في موقع المركز:
مقدمة
وقّع 14 فصيلاً فلسطينياً من بينها حماس والجهاد في الثالث عشر من أكتوبر 2022 (إعلان الجزائر) المنبثق عن (مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية) الذي انعقد في العاصمة الجزائرية في الفترة ما بين الحادي عشر والثالث عشر من ذات الشهر برعاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وتضمن الإعلان تسعة مبادئ من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية.
أهم ما جاء في مبادئ الإعلان التسعة، هو التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية، واتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام، وتعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني بنظام التمثيل النسبي الكامل، واستعداد الجزائر لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد، والإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس خلال مدة أقصاها عام، وتوحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وتفعيل آلية للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ومتابعة إنهاء الانقسام، وتولي فريق عمل جزائري-عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود الاتفاق.
يأتي إعلان الجزائر للمصالحة بعد سلسلة طويلة من اتفاقيات المصالحة الفلسطينية منذ الانقسام السياسي في صيف 2007، حيث سبقه اتفاق مكة في نفس العام، وإعلان صنعاء في العام 2008، واتفاقات القاهرة في عامي 2009 و2011، واتفاق الدوحة في العام 2012، واتفاق الشاطئ في العام 2014، واتفاق القاهرة في العام 2017، وإعلان موسكو في العام 2019، ثم إعلان إسطنبول في العام 2020، بالإضافة إلى عشرات اللقاءات والاجتماعات في رام الله وغزة وبيروت ودمشق وغيرها.
الدور الجزائري
الاهتمام الجزائري بالقضية الفلسطينية ليس جديداً، ويمتد لما قبل استقلال الجزائر في العام 1962، حيث ربطت جبهة التحرير الوطني الجزائرية علاقات وثيقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي علاقات استمرت بعد الاستقلال من خلال دعم الجزائر لمنظمة التحرير الفلسطينية سياسياً وعسكرياً ومالياً ما قبل تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، لتتحول إلى دعم السلطة بعد ذلك، خاصة سياسياً ومالياً.
واستضافت الجزائر دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة في العام 1988، والتي أعلنت فيها منظمة التحرير الفلسطينية “استقلال دولة فلسطين” وطرحت برنامج السلام الفلسطيني، بالإضافة إلى أن الجزائر تجمعها علاقات مع كافة الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، إلى جانب علاقاتها الرسمية مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وهو ما ظهر في مبادرة الرئيس تبون لتنظيم لقاء بين رئاسة السلطة الفلسطينية وقيادة حركة “حماس” على مستوى محمود عباس وإسماعيل هنية على هامش احتفالات الجزائر بذكرى استقلالها في تموز 2022.
لذلك يأتي الدور الجزائري في محاولة تحريك ملف المصالحة الفلسطينية في سياق طبيعي، لكن ذلك الدور في المقابل يحقق مصالح سياسية وجماهيرية لرئاسة الجمهورية الجزائرية والرئيس تبون وخاصة في البعد المعنوي للقضية الفلسطينية، حيث لا يتوقع أن يقدم كثيراً على الأرض، وهو ما سيتم التطرق إليه لاحقاً.
سقف أدنى وفجوة أكبر
مبادئ إعلان الجزائر التسعة تمثل على المستوى النظري، تراجعاً كبيراً عما سبقها من اتفاقيات أو إعلانات، فقد جاءت في صياغات عامة بعيدة عن حسم القضايا الخلافية التي تعالج أسباب الانقسام السياسي من الجذور، كما خلت من تحديد الآليات الواضحة على مستوى الإجراءات اللازمة للتنفيذ، وحتى البند الوحيد المتعلق بآليات التنفيذ في مسودة الإعلان تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة بسبب عمق الخلافات حولها ما بين “فتح” و “حماس”، حيث كشفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن شطب البند السابع من مشروع “إعلان الجزائر” الذي كان ينص على:
“تشكيل حكومة وحدة وطنية، مسؤولة عن إعادة توحيد المؤسسات وتبني استراتيجية كفاحية لتوفير عناصر الصمود والتصدي لدى أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومقاومته، والتصدي لعربدات عصابات المستوطنين”
السقف النظري المتدني لإعلان الجزائر يأتي كانعكاس متوقع لازدياد الفجوة العملية ما بين طرفي الانقسام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يبدو كل طرف منهما في غاية الحرص على ترسيخ “سلطته” وتشديد الخناق على الآخر، سياسياً وأمنياً، وحيث يذهب البرنامج السياسي لكل طرف منهما نحو المزيد من التفرد والسعي لاحتكار تمثيل الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تعارض معادلات التحالفات السياسية العربية والإقليمية أكثر فأكثر بين الطرفين، والأهم: لم يتم التطرق لجذور الانقسام السياسي وأسبابه الأولى من كلا الطرفين.
نقاط الخلاف الجوهرية ما بين طرفي الانقسام هي الغائب الأكبر عن إعلان الجزائر، ولا يبدو أن هناك نية لديهما للبحث في تلك النقاط على قاعدة تحمّل المسؤولية المشتركة، حيث لا يزال كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر، ويحمّله وحده مسؤولية الانقسام. رغم أنّ أسباب الانقسام السياسي لم تعد سراً من الأسرار بعد مضي عقد ونصف على حدوثه، سواء ما تعلّق منها بالموقف من الشراكة السياسية الحقيقية والاستعداد الجدي للتعددية وقبول الاختلاف وإنهاء ثقافة التفرد والهيمنة.
وخلاصة ذلك؛ إنّ المبادئ التسعة لإعلان الجزائر لم تخرج عن صفة الشعارات العامة في صيغتها النظرية، وشكلت تراجعاً عن اتفاقيات المصالحة السابقة من الناحية الإجرائية، وبالنظر إلى فشل كل المحاولات السابقة في التقدم، ولو خطوة واحدة، في طريق إنهاء الانقسام، رغم وجود دور عربي مركزي ومؤثر كالدور المصري في الكثير من تلك المحاولات، وبالتالي فإنّ فرص إعلان الجزائر قد لا تحقق أي تقدم يذكر في ملف المصالحة الفلسطينية، خاصة وأنّ الدور الجزائري لا يقارن بالدور المصري من ناحية عمق العلاقات والقدرة على التأثير السياسي والأمني على طرفي الانقسام، وإن كان هناك من مصالح تحققت من وراء ذلك الإعلان، فهي من نصيب رئاسة الجمهورية الجزائرية أولاً، ثم من نصيب حركة “حماس” جزئياً من حيث تعزيز “شرعيتها” العربية انطلاقاً من الساحة الجزائرية، على المستويات الرسمية والشعبية، ولا يبدو أن هناك من يرفع سقف توقعاته أكثر من ذلك.