بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- بريطانيا التي غيّرت أربعة رؤساء للوزراء منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2019، هي أسطع مثال على الغرق في الفوضى السياسية والاقتصادية التي أمعنت في تعميق جروحها الحرب الروسية – الأوكرانية وما تلاها من أزمة طاقة ترخي بثقلها على كامل القارة الأوروبية.
والنتيجة عدم استقرار سياسي واقتصادي. وكان لافتاً عجز حكومة ليز تراس عن وضع موازنة تستطيع فيها إيجاد توازن بين النفقات والمداخيل. قررت خفض الضرائب، من دون أن تقول من أين ستعوض هذا الخفض. وإذا بالجنية الإسترليني يتدنى إلى مستويات قياسية بينما الإضرابات العمالية تتوالى مع التضخم، الذي ارتفع إلى مستويات قياسية بلغت 10.1 في المئة.
ليز تراس أقرت بعجزها عن معالجة مثل هذا الوضع وتنحّت. ولن يكون أي خليفة لها، وحتى لو عاد بوريس جونسون بسياساته الشعبوية، في يده عصا سحرية تنتشل الاقتصاد البريطاني من هوة التردي الموصل إلى الركود حتماً.
فرنسا ليست بحال أفضل وهي تكافح الغلاء ويكيل رئيسها إيمانويل ماكرون الاتهامات لروسيا باستخدام الطاقة سلاحاً لمعاقبة الأوروبيين. والسؤال، ألم يفرض الأوروبيون ثماني دفعات من العقوبات على روسيا حتى الآن وهم يبحثون في الدفعة التاسعة رداً على قصفها البنى التحتية الأوكرانية؟ وألم يكن الأوروبيون هم أول من بادر إلى البحث عن بدائل للطاقة الروسية والإعلان عن برامج تمكنهم من الانفصال عن روسيا اقتصادياً بالكامل؟
وألمانيا هي الأخرى التي تقف على حافة الركود بسبب انقطاع إمدادات الطاقة… يوجه مسؤولوها الحاليون اللوم إلى المستشارة السابقة أنغيلا ميركل على توثيق العلاقات الاقتصادية مع روسيا إلى درجة جعلت ألمانيا تعتمد على نسبة 40 في المئة من مواردها من روسيا.
لا يمكن للأوروبيين لوم روسيا على قطع إمدادات الطاقة عن القارة طالما هم منخرطون في تقديم الأسلحة والمساعدات الاقتصادية لأوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي.
ما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حالياً، هو استخدام كل أوراق الضغط المتوافرة لديه، من أجل تعزيز موقف بلاده في أوكرانيا، خصوصاً في ظل التعثر الميداني الذي يُعزى إلى الأسلحة الغربية التي تتدفق على كييف.
وورقة الضغط القصوى هي سلاح الطاقة. ومع المقاطعة الأوروبية المتصاعدة لموسكو، يتحول بوتين إلى تركيا، وبدلاً من جعل ألمانيا مركزاً للغاز الروسي عبر خطي “نورد ستريم 1 و2” وخط “دروجبا” إلى بولندا، قدم بوتين عرضاً مغرياً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام عندما التقاه في كازاخستان، وهو جعل تركيا منصة لتوزيع الغاز إلى أوروبا. خطوة مثل هذه قد تنعش الاقتصاد التركي الذي يعاني في السنوات الأخيرة من التراجع.
والتوجه الروسي نحو تركيا يشكل خياراً جيوسياسياً، قد يوثق العلاقات أكثر بين موسكو وأنقرة، ويقوي حظوظ أردوغان في الفوز بالرئاسة في حزيران (يونيو) المقبل. وسبق أن لعب أردوغان دور الوسيط في اتفاق إخراج الحبوب من أوكرانيا إلى العالم، ولا يزال يعوّل على الوساطة التركية في جمع موسكو وكييف إلى طاولة الحوار.
أوروبا التي تتخبط اقتصادياً، تعتمد سياسة تسريع هزيمة روسيا في أوكرانيا من أجل فرض حل على موسكو، عبر تكثيف المساعدات العسكرية لكييف. وما قرار الاتحاد الأوروبي تدريب 15 ألف جندي أوكراني على أراضيه إلا إحدى الوسائل المعتمدة في سبيل تحقيق هذه الغاية.
الأوروبيون يستيقظون اليوم ليس فقط على خطأ اعتمادهم على روسيا اقتصادياً، وإنما بدأ عداؤهم يمتد إلى الصين. والقمة الأوروبية التي انعقدت في بروكسيل الخميس والجمعة الماضيين، بدا فيها شيئاً من الندم الأوروبي على بيع قطاعات من البنى التحتية الأوروبية للصين.
وكأن الأوروبيين يتجهون أكثر إلى الانغلاق، تطبيقاً على ما يبدو لمقولة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، أن أوروبا وحدها “حديقة في العالم والباقي عبارة عن أدغال!”.