بقلم: جميل بوي
الشرق اليوم– الانتقال من الديمقراطية إلى الاستبداد ليس تحولا مفاجئا، وليس مفتاحا يحول النور إلى الظلام دون فاصل بينهما. ومن الأفضل، في سياق الولايات المتحدة على الأقل، اعتبار الاستبداد بأنه شيء يشبه التناقض الموجود في التقاليد الديمقراطية الأمريكية. فهو جزء من الكل، وهو انعكاس لحقيقة أن المفاهيم الأمريكية للحرية والتحرر تُستشعر بعمق من خلال تجربة ملكية العبيد والسعي للاستيلاء على الأرض وطرد سكانها السابقين.
وكما كتب المؤرخ إدموند مورغان ذات مرة عن سكان فيرجينيا الذين ساعدوا في قيادة الكفاح من أجل الاستقلال الأنغلوأميركي، “إن وجود رجال ونساء كانوا، في نظر القانون على الأقل، خاضعين تماما لإرادة رجال آخرين، أعطى لمن في السلطة منهم تجربة فورية لما يمكن أن يعني أن يكون الشخص تحت رحمة طاغية”. وتابع “ربما كان لدى أهل فيرجينيا تقدير خاص للحرية العزيزة على الجمهوريين، لأنهم كانوا يرون كل يوم كيف يمكن أن تكون الحياة من دونها”.
وفي هذا الإطار، أن هذه الازدواجية موجودة في الدستور الفدرالي الأمريكي، الذي ينادي بالحرية الجمهورية في الوقت الذي مكن فيه من القهر الوحشي لشعوب بأكملها داخل الولايات المتحدة.
وإذا اقتربنا قليلا من الحاضر، يمكنك أن ترى بوضوح كيف كانت الديمقراطية الأمريكية والاستبداد الأمريكي موجودين جنبا إلى جنب، وظل هذا الأخير مجرد سمة أخرى لنظامنا السياسي.
إن التراجع الديمقراطي، منذ مجيء الرئيس السابق دونالد ترامب، كان أكبر مما شهده الأمريكيون خلال العقد الماضي، وعلى هذا الأساس لا يوجد سبب للاعتقاد بأن معظم النخب، ومعظم الناس، لن يكيفوا أنفسهم مع غياب الديمقراطية بين العديد من إخوانهم الأمريكيين.
وبمرور الوقت قد يصبح غياب الديمقراطية هذا هو الأمر المعتاد، وهذه في الواقع هي الطريقة التي برر بها السياسيون والصحفيون والمثقفون الاستبداد في الجنوب، ووفقوه مع اعتقادهم بأن الولايات المتحدة كانت دولة حرة.
فالتقاليد الأمريكية للاستبداد، شكلت تقاليدنا للديمقراطية من حيث إنها تشكل إطارا لأفكارنا حول من يمكنه بالضبط التمتع بالحرية الأمريكية. كما أنها تحط من إحساسنا الأخلاقي، وتسهل غض الطرف عن أولئك الذين يعانون في ظل أسوأ ما في الدولة.