بقلم- أحمد الخطيب – النهار العربي
الشرق اليوم– في الفترة الممتدة من تسعينات القرن الماضي حتى ما قبل جائحة كورونا، كان الاقتصاد الصيني يشكل رافعة مهمة للاقتصاد العالمي خلال الأزمات الاقتصادية، إذ استمرت الصين بتحقيق نسب نمو مرتفعة جداً بمعدل 7.5% سنوياً بالاستفادة من رخص العمالة الماهرة لتزويد العالم بمنتجات متدنية الكلفة، إضافة إلى حصول الشركات الغربية على سوق استهلاكي ضخم جداً. وكانت نسبة نمو الناتج المحلي الصيني تشكل أحد أهم المؤشرات الاقتصادية لكل العالم. ولكن في الفترة الحالية مع توقعات الركود في الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا ومناطق أخرى، لا يبدو أن الاقتصاد الصيني سيتمكن من تقديم الدعم كما في السابق.
شهدت الصين في السنوات القليلة قبل كورونا تباطؤاً تدريجياً في النمو، ولكنه بقي فوق نسبة 5% التي تعتبر الحد الأدنى لمعيار تحقيق الأهداف الاستراتيجية للصين. وتمكنت الحكومة من السيطرة على أي مشكلات أو توترات اقتصادية مرت بها، بسبب المرونة العالية في اتخاذ القرار، إضافة إلى الاحتياطيات الأجنبية الضخمة التي كوّنتها، ما سمح باحتواء أزمات مالية وعقارية محتملة.
في خلال المؤتمر العام للحزب الشيوعي الذي يجري حالياً، جاءت إشارة جديدة إلى تغير الرؤية الاقتصادية، عندما أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ أن البلاد ستتحول من استهداف النمو السريع إلى النمو ذي الجودة المرتفعة، وأن الحكومة ستشجع وتسهل الاستثمار الأجنبي في الصناعات المتقدمة. وسبق ذلك قيام هيئة الإحصاء الصينية بشكل غير مسبوق بتأجيل الإعلان عن عدد من المؤشرات الاقتصادية، من ضمنها نسبة النمو التي تواجه تحديات كبيرة بالاستمرار فوق مستوى 5%، متأثرة بسياسة صفر كورونا وارتفاع أسعار الطاقة.
وتشير بعض توقعات خبراء الاقتصاد، ومن ضمنهم صندوق النقد الدولي، إلى أن نمو الاقتصاد الصيني سينخفض إلى مستوى 3% ابتداءً من العام القادم، وهو ما يعني دخول الصين في مرحلة شك في قدرتها على الاستمرار بتحقيق نمو مستدام.
حتى وقت قريب، كانت التقارير والأبحاث تتحدث باستمرار عن اقتراب الصين من إزاحة الولايات المتحدة والحلول مكانها كأكبر اقتصاد في العالم، وكانت هذه التوقعات منطقية جداً، لأن نمو الاقتصاد الصيني كان أعلى بكثير من نمو الاقتصاد الأميركي. أما اليوم، مع الصعوبات التي تم ذكرها، فإن هذا الهدف قد لا يكون قابلاً للتحقيق في المدى المنظور.
يتجه الرئيس الصيني حالياً للحصول على تأييد الحزب لاستمراره لولاية ثالثة استثنائية، بعدما أحكم سيطرته على القرار بالكامل، لكنه قد يكون بحاجة لإجراء تغييرات جذرية في الاقتصاد الصيني، على غرار ما حصل في السبعينات، إذا ما أراد المحافظة على نهضة الصين الاقتصادية.