الشرق اليوم- يدخل العراق العام الثاني من الانسداد السياسي بعد الانتخابات النيابية التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 دون أن يتمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو الاتفاق على رئيس للحكومة، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر جدية على أمن البلد ووحدته جراء الانقسام الحاد بين مختلف مكوناته السياسية، وإيثارهم المصالح الخاصة على مصلحة العراق.
كانت الانتخابات بالنسبة للعراقيين تمثل خشبة الخلاص، وأملاً في عراق جديد يضع حداً للمحاصصة الطائفية، ويقضي على الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ويرفع عن كاهل العراقيين عبء أزمات اقتصادية ومعيشية ثقيلة، ويوفر لهم حياة مقبولة تنهي سنوات من الفقر والحرمان والبؤس، وينعمون بثروات بلادهم المنهوبة من جانب أرباب السياسة والطوائف، لكن ذلك لم يتحقق مع الأسف، رغم أن الانتخابات جاءت بالكتلة الصدرية (73 نائباً) التي تدعو إلى التغيير، ودولة القانون بعيداً عن سطوة الميليشيات، ورفض المحاصصة، ومحاربة الفساد، لكنها لم تتمكن من تشكيل الحكومة، ومن حشد الدعم النيابي الكافي لها، فأعلن زعيم التيار مقتدى الصدر سحب نوابه من البرلمان، ثم عزمه الانسحاب من الحياة السياسية، ما أدى إلى غضبة شعبية عارمة باقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان ووقوع اشتباكات بين المتظاهرين وبعض الميليشيات راح ضحيتها عشرات المواطنين، وكاد ذلك يُدخل العراق في دوامة من الدم داخل المكون الشيعي، وربما كان ليمتد إلى كل العراق.
ومع ذلك، لا يزال العراق يبحث عن حل، وما زالت الانقسامات بين مختلف المكونات السياسية هي العلامة المميزة حتى الوقت الراهن، وذلك في صراع على النفوذ والهيمنة على قرار العراق واستمراء النهب والفساد.
من هنا، فإن دعوة البرلمان العراقي للاجتماع اليوم (الخميس) لانتخاب رئيس للجمهورية، هو من قبيل “رفع العتب” والإيحاء بأن السلطة التشريعية ما زالت قائمة وتقوم بدورها، رغم أن رئيس المجلس محمد الحلبوسي الذي دعا للاجتماع يعرف أكثر من غيره بأن المكون الكردي الممثل في “الحزب الديمقراطي” بزعامة مسعود البرزاني و”حزب الاتحاد الوطني” بزعامة بافل الطالباني، لم يتفقا بعد على مرشح واحد للرئاسة، باعتبار أن منصب الرئيس هو نصيب المكون الكردي وفقاً للتقسيم الطائفي للمناصب الأولى في العراق، إذ يصّر البرزاني على أن تكون رئاسة الدولة من حصة حزبه باعتباره الفائز الأكبر بالمقاعد النيابية المخصصة للأكراد
(31 مقعداً) في حين حصل الاتحاد الوطني على 15 مقعداً، ويصّر على ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح للمنصب.
إن الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية قد يسهّل الجهود المبذولة لاختيار رئيس للحكومة، لأن الرئيس رغم منصبه الشرفي ويحكم لمدة أربع سنوات هو من يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة.. لكن يبدو أن العراق دخل في نفق طويل لا تلوح حتى الآن في نهايته بوادر ضوء.
المصدر: صحيفة الخليج