بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يتناول ظاهرة المجموعات المسلحة الصغيرة مثل “كتيبة جنين” ومجموعات “عرين الأسود”، مع التركيز على الأخيرة التي ظهرت في نابلس، وتداعيات تزايد نشاط تلك المجموعات المسلحة على الاستقرار الأمني والسياسي في الضفة الغربية.
أدناه نص الورقة التحليلية كما ورد في موقع المركز:
مقدمة
بعد سنوات من انتهاء الانتفاضة الثانية وحل كتائب “شهداء الأقصى” بقرار من قيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، واستيعاب معظم عناصرها في الأجهزة الأمنية الفلسطينية فيما بعرف بـ”تفريغات عام 2005″، عادت ظاهرة الحركات المُسلحة لتعود إلى الواجهة من جديد في الضفة الغربية، بعد أن تأسست مجموعة “كتيبة جنين” خلال التصعيد في قطاع غزة بين “حماس” وإسرائيل (2021)، بأربعة عناصر فقط قبل أن تتوسع إلى عشرات المسلحين لاحقاً، ثم مجموعة “عرين الأسود” المشابهة لها في نابلس؛ وغالباً ما يكون أعضاء هذه الجماعات هم من المسلحين المنتمين إلى عدة فصائل فلسطينية، ويُعتقد أنها تتلقى دعماً بالأموال والسلاح من قبل حركة الجهاد الإسلامي وحركة”حماس” و “حزب الله” اللبناني.
إن ظاهرة المجموعات المسلحة، لها جذورها في تجربة الفصائل الفلسطينية خاصة إبان الانتفاضتين الأولى في عام 1987 والثانية في عام 2000، وهي التجربة التي أثبتت ما تمتلكه تلك الجماعات من قدرات لخلق حالة جديدة مستعصية على الحل بالنسبة للسلطة الفلسطينية، ومصدراً للقلق الأمني بالنسبة لإسرائيل.
مجموعات عرين الأسود
إن ظاهرة المجموعات المسلحة ليست جديدة، فقد تعدد أسماء التشكيلات شبه العسكرية وغير الرسمية للفصائل الفلسطينية منذ الانتفاضة الأولى، ففي حالة حركة فتح ظهرت أسماء كثيرة، مثل مجموعات “الفهد الأسود” والجيش الشعبي و “كتائب الشهيد أبو جهاد” و “صقور فتح” في الانتفاضة الأولى، ثم الاسم الأكثر شهرة “كتائب شهداء الأقصى” في الانتفاضة الثانية، ومجموعة “فارس الليل” التابعة للكتائب في نابلس، لكن ما يميز مجموعات “عرين الأسود” في نابلس هو الطابع غير الفصائلي لها، رغم أن غالبية عناصرها من حركة فتح أو القريبين منها، مع وجود دور أكثر بروزاً لحركة “حماس” في تمويلها ونشاط عناصر محسوبة على “كتائب القسام” فيها، على خلاف كتيبة جنين التي تميز فيها دور حركة الجهاد الإسلامي في القيادة والتمويل.
ويمكن تتبع ظهور مجموعات عرين الأسود من خلال عدة مفاصل مهمة خلال الأشهر الماضية، حيث:
- قيام القوات الإسرائيلية باغتيال ثلاثة من نشطاء “كتائب الأقصى” في نابلس في الثامن من فبراير 2022، وهم أدهم مبروك المعروف بالشيشاني، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، وظهور اسم “كتيبة نابلس” في وصف المجموعة التي ينتمي إليها الشبان الثلاث.
- قيام القوات الإسرائيلية باغتيال اثنين من نشطاء كتائب الأقصى في نابلس في الرابع والعشرين من يوليو 2022، وهما محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، ونجاة الناشط إبراهيم النابلسي من الاغتيال وقتها، ويعتبر العزيزي من مؤسسي المجموعة الأولى.
- قيام القوات الإسرائيلية باغتيال اثنين من نشطاء “كتيبة نابلس” في التاسع من أغسطس 2022 هما إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح.
- الإعلان رسمياً عن تشكيل مجموعات “عرين الأسود” في الثاني من سبتمبر 2022 خلال حفل تأبين (اليوم الأربعين) لاغتيال محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، وتنظيم استعراض عسكري للمجموعات، والإعلان أن العزيزي هو مؤسس مجموعات العرين.
- قيام جهاز الأمن الوقائي في نابلس باعتقال ناشطين كبيرين من نشطاء “عرين الأسود” في التاسع عشر من سبتمبر 2022، هما المطلوب للقوات الإسرائيلية والناشط في كتائب القسام مصعب اشتيه، والناشط في الجبهة الشعبية عميد طبيلة.
- قيام القوات الإسرائيلية باغتيال الناشط في “عرين الأسود” سائد الكوني في الرابع والعشرين من سبتمبر 2022.
- قيام مجموعات “عرين الأسود” بالإعلان عن تنفيذها سلسلة من العمليات ضد القوات الإسرائيلية والمستوطنين في محيط محافظة نابلس، كان آخرها قتل جندي إسرائيلي في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة “شافيه شومرون” شمال غرب نابلس في الحادي عشر من أكتوبر 2022، وإعلان المجموعات عن إطلاق سلسلة “عمليات الغضب”.
تأسيس مجموعات “عرين الأسود” ومن قبلها “كتيبة جنين” يأتي كنتيجة طبيعية متوقعة لمجموعة عوامل، هي:
أولاً: استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية العنيفة “اجتياحات واغتيالات وقمع وحواجز وممارسات المستوطنين الاستفزازية ومصادر الأراضي والاعتقالات اليومية” بحق الفلسطينيين في الضفة وغزة.
ثانياً: عجز السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن تقديم الحد الأدنى من الحماية للفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، واستهداف أجهزة السلطة للنشطاء المسلحين في الضفة، خاصة في نابلس وجنين.
ثالثاً: حالة الإحباط الداخلي الفلسطيني من أداء السلطة السياسي والمالي والأمني.
رابعاً: استغلال حركتي الجهاد الإسلامي وحماس للعوامل السابقة من أجل خلق معادلة جديدة تساهم في إضعاف السلطة وإرباك إسرائيل.
في حالة كتيبة جنين كان لحركة الجهاد الإسلامي، ولا يزال، دوراً مركزياً في تأسيسها وقيادتها وتمويلها، أما في حالة مجموعات “عرين الأسود” فإن حركة “حماس” تحاول لعب هذا الدور، والذي تمثل بالتمويل بالمال والسلاح من خلال الناشط في “كتائب القسام” و “العرين” مصعب اشتيه، الذي اعتقل من قبل جهاز الأمن الوقائي وبحوزته مبالغ مالية كبيرة، لكن حركة الجهاد الإسلامي في المقابل تخوض تنافساً مع “حماس” في هذا السياق، وهو ما تبرزه بيانات حركة الجهاد الإسلامي الأخيرة الموقعة باسم “سرايا القدس – كتيبة نابلس”.
أخيراً؛ قد تشهد الحالة مزيداً من التصعيد في الأيام والأسابيع القادمة، خاصة إذا قررت الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً وزير دفاعها بيني غانتس، تنفيذ عمليات عسكرية عنيفة في نابلس وجنين لأغراض انتخابية، بحكم طموح غانتس لتولي منصب رئيس الحكومة بعد انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين مطلع الشهر القادم، وهذا التصعيد المحتمل سيزيد من أزمة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وقد يقود لتصعيد شامل في كل الأراضي الفلسطينية.