بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- من القواعد المرعية، أو التقاليد الثابتة على قمة مسؤوليات وكالة المخابرات المركزية، أنها تبعث في السادسة من صباح كل يوم، بتقرير استخباراتي إلى المكتب البيضاوي للرئيس، شاملاً مجمل المشاكل والأزمات والأوضاع في مناطق العالم. وعلى رأسها حالياً الأزمة بسبب حرب أوكرانيا.
واليوم – وفي ضوء ضلوع أمريكا في الأزمة، يحتل ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية مكانة خاصة كمصدر للمعلومات، ليس لكونه مدير الوكالة فقط، بل الأكثر من ذلك، ما هو معترف به من أنه من أكثر الدبلوماسيين معرفة بالرئيس الروسي بوتين. ولأن بيرنز لديه رؤية مستخلصة من تراكم خبراته بالعلاقة مع روسيا.
وكما يقول الخبراء المختصون في واشنطن، فإن جوهر عمل نصف الخبراء في العاصمة واشنطن يختص بالرئيس بوتين. لهذا يشغل بيرنز وضعاً متميزاً ضمن كبار مساعدي الرئيس بايدن. وهو موضع ثقته كمرجع في عدد من المهام بالغة الحساسية.
وبيرنز الذي يتكلم الروسية بطلاقة، لديه خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي، منها عمله سفيراً في موسكو من عام 2005 – 2008، وكان أمضى 33 عاماً في السلك الدبلوماسي، إلى أن تقاعد عام 2014، وقت أن كان وكيلاً لوزارة الخارجية.
ويقول ويليام بتلور، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا، إن بيرنز يتمتع بخبرة عالية، وتتميز شخصيته بالنضج والحكمة، ونحن نستمع إليه لخبرته الشخصية ببوتين، ولهذا ينظر إليه – في ظروف الأزمة الراهنة – كشخص استثنائي ضمن مجموعة الطاقم المعاون لبايدن.
وحين أوفده بايدن برسالة إلى موسكو عام 2021، فإنه التقى مع المسؤولين في الكرملين، وتحدث مع بوتين هاتفياً، ونقل إليه قلق واشنطن، وتحذيرها من أن موسكو ستدفع ثمناً لو أنها قامت بمهاجمة أوكرانيا.
وظل بيرنز يتمسك برؤيته التي تختلف مع رؤية الإدارة الأمريكية، والتي تركز على خطورة روسيا، إلا أن بيرنز كانت له رؤية مختلفة، لاعتقاده بأن الصين تمثل التهديد بعيد المدى والأكبر لأمريكا. وهو ما كان صرح به في لقاء بجامعة جورجيا التكنولوجية في إبريل/ نيسان 2022.
إن وكالة المخابرات المركزية تحت رئاسة بيرنز، كانت هي السباقة بما وضعته تحت نظر الرئيس بايدن، من أن بوتين سيقوم بغزو أوكرانيا، رغم نفيه لذلك في البداية.
ومن المعروف إن بيرنز بحكم انتمائه إلى المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية، كانت له في تاريخه الدبلوماسي مواقف معارضة لرؤساء سابقين لأمريكا، والتي سجلها في مذكراته المنشورة، ومنها معارضته قرار بوش الابن غزو العراق عام 2003، وإلقائه الضوء على الأخطاء التي نتجت عن هذا القرار. كما أنه تحدث أثناء رئاسة ترامب، ضد مواقفه وتصرفاته مع أطقم وزارة الخارجية، وإجراءاته الانتقامية منهم.
بعض الخبراء في واشنطن يصفون بيرنز بأن خبرته الدبلوماسية تزيد على خبرة وزير الخارجية الحالي، أنتوني بلينكن، إلا أن ذلك لم يؤثر في الصداقة وحسن العلاقة بينهما، وإن كان البعض يردد همسات بأن بيرنز هو وزير خارجية الظل.
وحين سئل بيرنز في لقائه بجامعة جورجيا للتكنولوجيا عن تقييمه للرئيس الروسي بوتين، قال إنني تعلمت طوال السنين الماضية ألا أستخف بتشدد بوتين وتصميمه في مواقفه، خاصة في ما يتعلق بأوكرانيا.
ويتحدث بيرنز عن الحالة الراهنة لحرب أوكرانيا، ويقول إنها تدخل الآن في فترة من الاستنزاف، بينما ستحاول روسيا تشديد قبضتها على الأراضي التي تحت سيطرتها في شرقي أوكرانيا.
ويعلق الخبراء المتابعون للحرب على ذلك بأن هناك انطباعاً يسود في أمريكا، بأن المزاج النفسي في واشنطن قد تحول من الحذر تجاه الأزمة، إلى التفاخر بالمسيرة الحالية للأزمة مع روسيا، وأن ذلك هو آخر شيء كان بيرنز يريده. ومثل هذه المشاعر سبق أن وصفها بيرنز بأنها مشاعر تنقصها المسؤولية، وأنه يشعر بأن من الخطر أن يكثر عموم الناس من الكلام عن شؤون تختص بها أجهزة المخابرات.
تبقى في ضوء ذلك كله كلمة، هناك رؤية تتردد بين كثيرين من المحللين في أمريكا وفي الغرب عموماً، تتعلق بالاحتمالات عن النتيجة النهائية للحرب.. وترى أنه لو حدث أن فاز بوتين فإن أوروبا بكاملها سوف تهتز، وسيصيبها عدم الاستقرار. أما إذا أُرغمت روسيا على الاعتراف بأنها هزمت، فإن أمريكا ستجد نفسها في موقف لم يسبق لها أن واجهته، لأن الوضع العالمي حينئذ ستكون فيه بمواجهة لقوتين عالميتين من وجهة النظر العسكرية – هما الصين وتلحق بها روسيا – واللتين ستدخلان في تحالف وتوافق ضد أمريكا.