بقلم: وليد فارس – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– يتساءل كثير من المراقبين، ولا سيما في الغرب، عن أسباب انفجار انتفاضة نسائية عارمة في إيران، بعد قتل الشابة مهسا أميني الشهر الماضي، ولا سيما مشاركة الفتيات المراهقات، وكيف يمكن أن تتطور هذه الانتفاضة وما سيكون مصيرها. وبناء على ما يمكن استشرافه، كيف يمكن أن يكون الموقف الغربي الأميركي من انفجار كهذا؟
“موجة مهسا”
في يونيو (حزيران) 2009 التهبت شوارع طهران بتظاهرات واسعة ضد النظام وسقط قتلى وجرحى في ما عرف بالثورة الخضراء. ومن ضحايا القمع كانت الفتاة “ندى” التى سقطت برصاص قناص من الحرس الثوري، وأضحت رمزاً للبطولة النسائية في إيران للتحرر من الطغيان. وكذلك سقط ضحايا في انتفاضة خريف 2019، وهي حركة انطلقت للتعبير عن تردي الأوضاع المعيشية في البلاد. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي انطلقت احتجاجات جديدة تميزت بمشاركة كبيرة من الشباب والشابات، ولا سيما من المراهقات. وواجه النظام كعادته المجموعات التي أطلقت هتافات تدعو إلى الحرية بعنف أمني واعتقال العشرات. وكانت فتاة إيرانية من محافظة كردستان، واسمها “مهسا أميني” قد اعتقلتها “شرطة الأخلاق” وقتلت في المعتقل وأثارت مأساة قتلها احتجاجات عارمة في إيران.
ومع انتشار الخبر، انفجرت التظاهرات في العاصمة وانتقلت إلى مختلف المدن والبلدات وتوسعت بمشاركة كثيفة من الفتيات ومعهن الشبان. إيرانيات عبّرن عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهن وحزنهن على وفاة مهسا أميني عن طريق قص شعرهن، ونظمت الجاليات الإيرانية صفوفها في مختلف دول العالم، ورد النظام بمزيد من العنف ضد المحتجين. وأدى ذلك إلى سقوط مزيد من القتلى بين المتظاهرين بينهم عدد من الفتيات الناشطات كسارينا إسماعيل زاده ونيكا شكرمي وغيرهن. والتهب الوضع في إيران مع انفجار “موجة مهسا” والموجة لم تتوقف حتى الآن. والسؤال هو لماذا انفجرت هذه الموجة الثورية النسائية الآن أكثر من أي عام سابق؟
العالم يتقدم
نساء إيران، وبخاصة الفتيات والمراهقات في الأجيال الصاعدة يتواصلن مع بعضهن البعض، ويشاهدن ما يحصل في العالم الخارجي بواسطة الإنترنت. فالشباب الإيراني مطلع على تقدم المجتمعات المحيطة بإيران والدول الغربية على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والفنية والحياتية. ولا يفهم الشباب وبخاصة الفتيات لماذا وضعهم لا يتأخر فحسب، بل يعود إلى الوراء. فهم ينظرون إلى الإمارات ويرون عالماً آخر أفضل على مسافة بعض مئات الأميال من سواحلهم. ويرون الإصلاحات تتقدم في السعودية والمجتمع يتطور والمرأة السعودية تتسلق المواقع الاجتماعية والحكومية وحتى العسكرية. ويشاهدون الفتيات العراقيات يشاركن في الانتفاضات، والنساء في كردستان سوريا يقدن المجابهة ضد الإرهاب، والنساء في بيروت والقاهرة وتونس وعدن ومعظم المنطقة إلى الإمام، إلا في إيران، ومنذ أغسطس (آب) 2021 في أفغانستان أيضاً. وباتت المرأة الإيرانية تشعر بأن النظام يفتك بالشباب والرجال كلما عارضوه، فقررت النزول إلى الشارع لترجيح كفة الميزان لمصلحة التغيير.
في الوقت نفسه شعرت المرأة في إيران، كما شعر المجتمع المدني بشكل عام، أن العالم الحر قد تخلى عن الشعب الإيراني، ولا سيما منذ توقيع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على الاتفاق النووي في 2015 مما وفر للنظام تمويلاً أكبر لتعزيز قدراته وإطالة فترة قمعه للمجتمع والنساء. وعلى الرغم من بصيص أمل جاء مع إدارة دونالد ترمب لأربع سنوات، إلا أن إدارته لم تنجح في مد يد المساعدة للإيرانيين، وبخاصة النساء. ومع عودة سياسة أوباما عبر فريق جو بايدن، انهارت آمال نساء وفتيات إيران بالتوصل إلى بلد أكثر عدلاً وفرحاً من “الجمهورية الإسلامية” الحالية. وتتحرك نساء إيران، وبخاصة المراهقات والفتيات وكأن لا شيء يمكن خسارته. المرأة في المنطقة تتقدم وحكومات الاتفاق تحيي النظام، فلم يبق إلا الثورة، ولم يبق في الثورة إلا المرأة لتشعلها من جديد.
لذلك فالثورة الحالية، التي جاءت على متن “موجة مهسا” هي غير سابقاتها. لا نعرف مستقبلها بعد، ولكنه سوف يكون مستقبلاً مختلفاً، قد يحاول النظام بعثرته ولكن الموجة ستكون أطول… لنرى.