الشرق اليوم- ستضطر أوروبا ومن ورائها العالم إلى حبس الأنفاس بعض الوقت ترقباً لرد الفعل الروسي على استهداف جسر القرم بسيارة مفخخة، بعد أن رحبت دوائر السلطة الأوكرانية بالتفجير واعتبرته “مجرد بداية”، فيما أطلق المسؤولون الروس تصريحات تتضمن إدانات شديدة اللهجة لكييف وتهديدات ضمنية بانتقام واسع النطاق، على اعتبار أن الهدف لم يكن عسكرياً، بل مرفقاً مدنياً حيوياً، واستهدافاً يضرب في الصميم واحداً من معالم الهيبة الروسية.
على هذا الأساس صنفت موسكو التفجير المفخخ، الذي دمر جزءاً من الجسر وتسبب في اشتعال سبعة صهاريج وقود في قطار إلى القرم، “عملاً إرهابياً”، وحمّلت كييف وداعميها الغربيين تبعات ذلك، وتعهدت بعدم الصمت. وبعدما أمر الرئيس فلاديمير بوتين بتشكيل لجنة حكومية للوقوف على ملابسات التفجير، اتخذ قراراً عسكرياً، له ما بعده، بتعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائداً لقوات العملية الخاصة في أوكرانيا، وسط توقعات بأن تشهد الساعات المقبلة مزيداً من ردود الفعل والإجراءات، تؤشر إلى أن التحرك العسكري الروسي سيأخذ منحى غير مسبوق منذ بداية الصراع المسلح في فبراير الماضي، لاسيما أن المسؤولين في موسكو حذروا من قبل من أن استهداف الأراضي الروسية سيكون إعلان حرب سيتم الرد عليه بكل الوسائل المتاحة، وفي بعض المواقف لم يتم استبعاد خيار استخدام السلاح النووي، الذي عاد إلى الواجهة بقوة، في الساعات القليلة الماضية، مع تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن عن فرضية نهاية العالم الوشيكة.
استهداف جسر القرم، قد يكون أكثر اللحظات حرجاً في الحرب الأوكرانية منذ إغراق الطراد موسكافا في البحر الأسود في خضم المعارك خلال إبريل الماضي. ومن وجهة النظر الروسية فإن الضربتين تلحقان الأذى بسمعة موسكو، في ضوء الحملة الإعلامية الغربية الشرسة التي تتحدث عن تراجع قواتها أمام تقدم الجيش الأوكراني، الذي يتم تصويره للرأي العام الغربي على أنه مقدمة للانتصار على روسيا، على الرغم من أن الغربيين مقتنعون، في غالبيتهم، بأن إلحاق الهزيمة العسكرية بروسيا سيكون أكثر خطراً من انتصارها في هذه الحرب. وهذه القناعة راسخة لدى الدول الأوروبية أكثر منها لدى الولايات المتحدة التي تطمح إلى “إذلال” روسيا حتى تستعيد زمام الهيمنة على العالم.
الحرب من أسوأ الشرور التي يمكن أن يرتكبها البشر، واستمرار الصراع في أوكرانيا دون حل سلمي، سيؤسس لمواجهة أوسع نطاقاً وأكثر كارثية مما سبق، والدعم الغربي المستمر لأوكرانيا لن يجلب السلام لأن المعركة ليست مع رجل يسمى فلاديمير بوتين، بل مع دولة عظمى تريد أن يكون لها موقع بين الكبار.
وعندما يطالب بوتين، في أكثر من مناسبة، الغرب باحترام روسيا وعدم استفزازها، فهو يعبر عن مشاعر الأغلبية الساحقة من الروس. ومنهم كثيرون عايشوا سنوات انهيار الاتحاد السوفييتي، وعاينوا الاستخفاف الغربي ببلادهم الذي وصل في أحيان كثيرة إلى السخرية والاستهزاء. ولذلك فإن شخصنة الأزمة لن تغير شيئاً، لأنها أكبر من ذلك، وقد تتحول إلى معركة عظمى من أجل “الكرامة الوطنية”، من وجهة نظر الروس، إذا استمر الوضع في التدهور على هذه الصورة.
المصدر: صحيفة الخليج