الشرق اليوم- بعد عام ونصف من المفاوضات غير المباشرة في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران والولايات المتحدة حول إحياء الاتفاق النووي، أخفق الطرفان في التوصل إلى اتفاق بعدما تفاءل الكثيرون من الوسطاء الأوروبيين بقرب التوصل لصفقة ترضي جميع الأطراف.
في الوقت ذاته ومع تحول الاهتمام الأميركي والأوروبي بالشأن الإيراني إلى تبعات المظاهرات الشعبية الغاضبة المندلعة منذ مقتل الفتاة مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أوراسيا غروب فاونديشن” المستقلة، أن أكثر من 3 أرباع الأميركيين، يعتقدون أنه ينبغي على إدارة الرئيس جو بايدن مواصلة المفاوضات الساعية إلى منع إيران من امتلاك أو تطوير سلاح نووي.
وأجرى الاستطلاع في النصف الأول من الشهر الماضي على أكثر من ألفي ناخب أمريكي يمثلون الاتجاهات الأمريكية السياسية الرئيسية من جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين.
وفي حديث للإذاعة العامة الأمريكية، ألقى رئيس الوفد الأمريكي بالمفاوضات النووية روبرت مالي، باللوم على طهران لعدم التوصل لاتفاق حتى الآن.
وقال مالي: إنه “كان هناك اتفاق على الطاولة… وكان جميع المشاركين الآخرين على ما يرام مع الاتفاق في مارس/آذار الماضي. ثم مرة أخرى خلال فصل الربيع، ثم مرة أخرى في أغسطس/آب. وفي كل مرة تأتي فيها إيران ببعض الطلبات الجديدة، وبعض المطالب الجديدة في معظم الأحيان إما مطالب غير واقعية أو مطالب غريبة ليس لها علاقة بالمحادثات النووية”.
الغالبية تدعم المفاوضات مع إيران
وأظهر الاستطلاع تأييد 88% من الديمقراطيين لهذه المفاوضات، مقابل 76.9% من المستقلين و71.8% من الجمهوريين، وهو ما يشير إلى فجوة مع النخبة السياسية من كلا الحزبين التي ترفض أو تتشدد في التفاوض للإحياء الاتفاق النووي.
أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، إلى أن “العديد من منتقدي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، سواء الإسرائيليين أو الأمريكيين اليمينيين، يقولون إنه يجب علينا الحفاظ على العقوبات الكاملة والاستعداد للحرب مع إيران”.
وأضاف أن “بعض الأمريكيين قد يؤيدون استمرار العقوبات، ولكن ليس إذا كان هناك احتمال لاستخدام الوسائل العسكرية لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية”. وأكد السفير ماك أن “موقف الرئيس بايدن هو أن الدبلوماسية ما زالت هي الخيار الأفضل للأمريكيين الذين أنهكتهم الحروب”.
من جانبها، اعتبرت مديرة مبادرة “مستقبل إيران” بالمجلس الأطلسي باربرا سلايفن، أن الأمريكيين “الذين يتابعون القضية يعرفون أن إيران تقترب كثيرا من القدرة على صنع أسلحة نووية الآن مما كانت عليه عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي، لقد مر أكثر من 4 سنوات لرؤية نتائج انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب المتهور، وهي ليست جيدة”.
الاتفاق ليس قريبا
واعتبر السفير ماك أن هناك بعض المطالب الإيرانية غير الواقعية، وذكر أنه “يمكن للمتشددين الإيرانيين الاستمرار في المطالبة بشروط مستحيلة، مثل ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة إذا كان هناك رئيس جمهوري بعد عام 2024”.
ويتفق ذلك مع ما أكده روبرت ماك للإذاعة الوطنية، إذ قال “لقد أخبرناهم منذ أن بدأنا الحديث بشكل غير مباشر في مارس/آذار 2021.. لا يمكننا السيطرة على ما يفعله الرئيس القادم، لذلك إذا كان هذا شيئا تصر عليه إيران، فلا فائدة من التفاوض”.
وذكر سعيد جولكار، خبير الشؤون الإيرانية بجامعة ولاية تينيسي، والباحث بمجلس شيكاغو للعلاقات الدولية، أنه إذا خيّرت الأمريكيين بين التوصل لاتفاق مقابل الحرب، بالطبع، فإن معظمهم سيدعمون الاتفاق، وليس الحرب، فليس لدى الأميركيين ذاكرة جيدة عن الحرب، وخاصة في 2001، فقد انتهى التدخل في العراق وأفغانستان بشكل سيئ، مما أدى إلى إهدار مليارات الدولارات وعدة آلاف من القتلى والجرحى، لذلك لا توجد شهية للحرب على الإطلاق.
وأشار جولكار إلى أننا “لسنا قريبين من التوصل لاتفاق جديد، وللحصول على صفقة أو اتفاق، تحتاج إلى جانبين لتكون قادرا على تقديم تنازلات. وحتى لو كان الأمريكيون على استعداد للقيام بذلك، فإن الإيرانيين لا يبدون متحمسين للغاية. ما تريده الجمهورية الإسلامية هو أكثر من مجرد وضع مربح للجانبين. لذا لا ينبغي لنا أن نلوم الأمريكيين وحدهم على المأزق”.
كما أشار جولكار إلى تردد “الديمقراطيين في قبول ما تقدمه لهم إيران على مائدة التفاوض بسبب قرب إجراء انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهم يعرفون أن أي صفقة مع إيران يمكن تفسيرها على أنها صفقة سيئة من قبل الجمهوريين، وقد يخسرون الانتخابات بسببها”.
وترى سلافين من جانبها أن “المشكلة، كما كانت منذ أشهر، ليست في واشنطن، بل في طهران. كانت هناك مسودة اتفاق على الطاولة منذ مارس/آذار الماضي، وتم تنقيحها قليلا في أغسطس/آب، لكن يبدو أن الإيرانيين لا يستطيعون قبول ذلك””
وأشارت سلافين إلى “استمرار رفع الجانب الإيراني مطالبه التي إما تتجاوز حدود خطة العمل الشاملة المشتركة مثل الإصرار على أن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية أولا تحقيقا في آثار اليورانيوم غير المبررة، أو البحث عن ضمانات بشأن الإدارات الأمريكية المستقبلية لا تستطيع إدارة بايدن ببساطة تقديمها. وإذا تخلت إيران عن هذه المطالب، فإن التوصل إلى اتفاق سيكون جاهزا”.
نتائج الاستطلاع صادمة لمعارضي الاتفاق
واستغرب السفير ماك من جانبه تفكير المعسكر المتشدد اليميني الرافض لأي اتفاق مستقبلي مع إيران، وقال “لا أفهم تفكير أولئك الذين يعارضون العودة إلى الاتفاق. يبدو الأمر عاطفيا أكثر من كونه مبنيا على أي منطق، لذلك سيرفضون نتائج هذه الاستطلاعات ويعتبرونها أخبارا مزيفة”.
وأكدت باربرا سلافين أن “هناك من يكره فكرة أي صفقة مع إيران، وآخرون يعتقدون أن هذا ليس الوقت المناسب لرفع وتخفيف العقوبات بسبب مقتل مهسا أميني، والقمع الوحشي للاحتجاجات. لكن العقوبات الأمريكية تعاقب الشعب الإيراني بأكمله وتحرم العالم من النفط الذي تشتد الحاجة إليه”.
المصدر: الجزيرة