بقلم: كريستوفر شيفيس
الشرق اليوم- اجتاحت أخبار التقدم العسكري الأوكراني الأخير مختلف العواصم الغربية وسط أجواء تفاؤلية عارمة، ففجأةً تحقق خرق في حربٍ بقيت غارقة تحت نيران المدفعيات طوال أشهر، وتفوّق الجيش الأوكراني على القوات الروسية، فهرب الجنود الروس وأثبتوا مجدداً أنهم أضعف مما توقع الجميع، وفي الوقت نفسه، زادت الآمال بتحقيق فوز أوكراني وإجبار المعتدي على العودة إلى خطوط ما قبل الحرب، أو ربما أبعد من ذلك.
توصلت روسيا إلى التقييم نفسه، حيث يعرف فلاديمير بوتين أن جيشه تضرر كثيراً وهو يزداد ضعفاً مع مرور الأيام، لذا ردّ الرئيس الروسي عبر إعلان التعبئة العسكرية والاستعداد لضم المناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا اليوم، كما فعلت مع شبه جزيرة القرم عام 2014، كذلك هدد بوتين باستعمال الأسلحة النووية “لحماية روسيا”، مما يعني أنه قد يستخدمها للدفاع عن المناطق التي يضمّها إلى بلده.
لا يعني اكتفاء بوتين بالتهديد حتى الآن أنه لن يطلق هجوماً نووياً على أرض الواقع، إذ تتعدد الاحتمالات القادرة على إطلاق مسار نووي، لكن يمكن اختصار السيناريو الأساسي بما يلي:
يقرر الغرب زيادة دعمه لأوكرانيا خلال الخريف الحالي (سبق أن أرسل أنظمة تسلّح جديدة وكميات متزايدة من الأسلحة). ثم تسمح الاستخبارات الغربية للأوكرانيين بتحقيق تفوّق إضافي ضد القوات الروسية التي تبقى واسعة لكنها تفتقر إلى التدريب والمعدات وتتراجع معنوياتها مع مرور الوقت، ويتكبد الجيش الروسي حينها خسائر هائلة، فينسحب من إحدى المناطق الأوكرانية التي كانت قد ضمّتها روسيا.
وفق هذا السيناريو، يبدأ مشروع بوتين الكبير بالانهيار بالكامل، وتتصاعد الاحتجاجات في روسيا، فيخشى الرئيس الروسي أن يخسر سيطرته على السلطة ويجرّه الناس في الشوارع، كما حصل مع معمر القذافي في ليبيا، وسرعان ما يضرب القوات الأوكرانية بسلاح نووي تكتيكي لتسليط الضوء على المخاطر المطروحة، ووقف الحرب، وتجنب النتائج الكارثية عليه، هو لا يريد بذلك أن يتفوق عسكرياً، بل يرغب في زيادة المخاطر لدرجة أن تضطر العواصم الغربية لإعادة النظر باستراتيجيتها.
في المرحلة اللاحقة، يصعب أن يمنع أحد تصعيد الوضع، إذ ستتعرض الولايات المتحدة والقوى النووية في حلف الناتو للضغوط كي تطلق ضربات نووية ضد روسيا لأنها لا تملك خيارات أخرى، ثم تردّ روسيا على هذه الضربة بتوسيع الصراع النووي ضد الناتو.
يُفترض أن يرغب العالم أجمع في تجنب هذا السيناريو، ويجب أن يستعمل الأميركيون وحلفاؤهم جميع الوسائل المتاحة (عقوبات ومكافآت) لإقناع الصين والهند ودول أخرى من مجموعة العشرين بإدانة التهديد النووي الروسي.
لكن لن يكون الضغط على الآخرين كافياً على الأرجح، بل يجب أن يجد الرئيس جو بايدن طريقة للتأكيد على امتناع الولايات المتحدة عن إسقاط بوتين، رغم صعوبة أن يقتنع الروس بهذه الفكرة بعد فرط العقوبات المفروضة، وتصريحات بايدن عن بوتين، وتاريخ الولايات المتحدة في إسقاط الطغاة.
أخيراً، يجب أن تقنع العواصم الغربية القادة الأوكرانيين على الأقل بأن فرص استرجاع جميع أراضيهم ليست إيجابية بقدر ما يأملون، فلا يزال الطريق طويلاً قبل تحقيق الأهداف المنشودة، فقد كانت عمليتهم في خاركيف بالغة الأهمية، لكنها أعادت إليهم جزءاً من أراضيهم، ولا شيء يؤكد إمكانية تكرار الإنجاز نفسه في الأراضي المتبقية، وفي الحد الأدنى، لا يُعتبر الوقت مناسباً اليوم لعرض أنظمة تسلّح جديدة ومتقدمة على الأوكرانيين.
لقد قدّم بوتين خيارات مستحيلة إلى العالم، ويجب أن تخرج روسيا من هذه الأزمة بعد معاقبتها على تهورها، وفي الوقت نفسه، يُفترض أن يجد القادة، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، معادلات معينة لتجنب أسوأ النتائج، وهذه المقاربة تتطلب أقصى درجات المرونة والابتكار من جميع الأطراف.