الشرق اليوم– وراء كل عمل تخريبي جهة تنفذ تعمل لمصلحة المستفيد. وحادث تفجير خطي أنابيب “نورد ستريم” في بحر البلطيق اللذين يزودان ألمانيا ودول أوروبية أخرى بالغاز الروسي، ليس بالطبع حادثاً عرضياً، فهو من فعل فاعل، ولديه القدرات والإمكانات الفنية والخبرات التقنية، ومعرفة موقع الأنابيب وخط سيرها، والقدرة على الغوص تحت الماء إلى أعماق تصل إلى 1200 متر، وهي مسافة لا يمكن قطعها إلا بوسائل متطورة جداً لا تملكها إلا دول كبرى، أو دول لديها تقنيات بحرية متطورة وضعت في خدمة جهاز مخابرات تولى التنفيذ.
من يقف وراء التفجير؟ الاتهامات راحت في كل الإتجاهات، بعضها اتهم روسيا، وبعضها اتهم دولاً غربية، والآخر وجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة، لكن من المؤكد أن الحقيقة سوف تظل لغزاً لن يتم الكشف عنه، ولن تعترف الجهة الفاعلة بما قامت به، فهذه من وسائل الصراع المفتوح في الحرب الروسية – الأوكرانية – الغربية، وسيبقى السر في أعماق البلطيق.
يذكر أن خط أنابيب “نورد ستريم 1” يبدأ من مدينة فيبورغ الروسية وينتهي في مدينة غرايفسفالد الألمانية، ووضع في الخدمة عام 2011، ويبلغ طوله 1222 كيلومتراً، وبذلك يعتبر أطول خط أنابيب تحت البحر في العالم، ويمكنه نقل 170 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، أما “نورد ستريم 2” فقد انتهى العمل فيه عام 2021، ويمتد تحت البحر بالتوازي مع “نورد ستريم 1″، وبلغت تلكلفته 10 مليارات يورو(11.5 مليار دولار)، والخطان يزودان أوروبا بأكثر من 43 في المئة من احتياجاتها من الغاز الروسي.
لقد أدى تسرب الغاز من الأنابيب بعد تفجيرها إلى ضياع 800 ألف متر مكعب من الغاز حسب شركة “غاز بروم” الروسية المشغّلة للخطين، وإلى تلوث واسع في بحر البلطيق. ويجري التحقيق حالياً لمعرفة كيفية التفجير والجهة الفاعلة، لكن من المستبعد جداً التوصل إلى معرفة الحقيقة.
لو افترضنا أن روسيا تقف وراء التفجير، فإن السؤال البديهي هو: هل يمكن لمن يملك مفاتيح الفتح والإغلاق أن يقوم بهذا العمل، وهي تستطيع ذلك من دون أن تقوم بالتفجير، أو يمكن أن تقطع الغاز تحت أية ذريعة أخرى، ثم إنها لا يمكن أن تطلق النار على قدميها وهي أكثر من يلحقها الأذى. وفي هذا الخصوص تقول موسكو إن “التفجير متوقع، وغبي، وعبثي”، ووجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة بالوقوف وراء هذا العمل، مستندة في ذلك إلى معارضة الولايات المتحدة إقامة الخطين في الأساس وممارسة الضغط على برلين للتراجع عنهما، ثم إلى الفائدة التي ستجنيها شركات النفط الأمريكية في تزويد أوروبا بالغاز المرتفع الثمن، بديلاً للغاز الروسي.
أما بالنسبة لعملية إصلاح الخطين، فالأمر معقد، ولا يمكن التكهن بموعد أو بالمدة التي تستغرقها عملية الإصلاح، ولا الكلفة، ومن يتحملها في ظل الحرب الأوكرانية.
المصدر: صحيفة الخليج