بقلم: غسان حجار – النهار العربي
الشرق اليوم– في 24 شباط (فبراير) 2022 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق “عملية عسكرية خاصة” للدفاع عن “جمهوريتي” لوغانسك ودونيتسك في دونباس، وهو حوض منجمي شرق أوكرانيا اعترفت موسكو باستقلاله في ظل رفض كييف وحلفائها. وقال بوتين إنه يريد “اجتثاث النازية” من أوكرانيا. وطالب بضمانات لعدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولم يكن في حساب القيصر الروسي أن أوكرانيا ستصمد أمام جيشه الزاحف عليها أكثر من مدة قصيرة قد لا تتعدى الشهر، وهو ما بدا حلماً صعب المنال بعد ثمانية أشهر على “العملية”، والهزيمة، المعنوية أقله، التي لحقت بالجيش الروسي، إضافة إلى انتكاسات ميدانية مع تقدم الجيش الأوكراني على غير جبهة.
وقد تعاملت موسكو مع الحرب من منطق “الدفاع عن النفس”، إذ وزّعت المكاتب الإعلامية الرسمية لسفاراتها بياناً بعد مرور شهر على “العملية” وفق التسمية الرسمية، مما جاء فيه:
– تتعرض روسيا اليوم إلى حرب معقدة ومتعددة الجانب، شرسة وشعواء. يحاولون بصفاقة شيطنتنا وإلصاق صورة العدو بنا، كما يحاولون عزلنا، واتهامنا بالتسبب بكل المصائب والمشكلات قاطبة. كما يواصل الغرب تصعيد الوضع ويتعمد إطالة أمد العملية الخاصة من خلال توفير دعم عسكري وسياسي واسع النطاق لكييف.
– طالما تجاهل الغرب بصفاقة وعنجهية، المصالح الروسية الأساسية وحاجتها البديهية والمشروعة للحفاظ على أمنها. واشتدت وتيرة توسع الناتو نحو الشرق، مع ما رافق ذلك من عملية إبادة جماعية للسكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، حيث بلغ عدد الضحايا في خلال السنوات الثماني الماضية، أي بعد انقلاب عام 2014، أكثر من 14 ألفاً من المدنيين الأبرياء.
– جرى خلق كامل أوكرانيا الحديثة من رحم الأراضي التاريخية الروسية، عبر اقتطاع مقاطعات كاملة مع سكانها وقاطنيها، وهي جزء لا يتجزأ من التاريخ والثقافة والحيز الروحي الروسي.
– أتت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والتي تمت وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، خطوة قسرية اضطرارية، بعد استنفاد كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لضمان حماية المدنيين في دونباس، وللحفاظ على الأمن القومي الروسي، كما استدركت ومنعت تدهور الحوادث وفق سيناريوات كارثية.
– تبرهن المحاولات العدوانية للغرب في فرض وجهة نظره ورؤيته للنظام العالمي، واستخدامه الهزيل والمثير للسخرية للعامل الأوكراني في هذا الصدد، أهمية إجراء العملية العسكرية الروسية الخاصة، والتي لا ريب في أنها ستتحقق أهدافها.
لكن كل التبريرات لم تنفع موسكو التي بدت مربكة، وإذ بها حين استدعائها الاحتياط الإلزامي في جيشها، تواجه بجبهة رفض كبيرة تجسدت بعبور الكثير من الشبان الحدود هرباً من الخدمة العسكرية، واختباء كثيرين، مع ما رافق عملية الاستدعاء من فوضى تؤكد الارتباك الروسي الكبير، في ظل عدم تمكن موسكو من الحسم، بل حتى التقدم إلى اليوم.
وإذا كانت موسكو قد تمكنت من تهديد الأمن الحياتي لدول أوروبا الغربية، فإن من الواضح وفق المعطيات الحالية، أنها وقعت في شباك الأمريكي الذي جرّها إلى حرب في رمال متحركة، وقد جرّت موسكو معها الغرب الأوروبي إلى المستنقع ذاته، حتى أصبحت كل دول أوروبا تحت الرحمة الأمريكية العظمى.
قد يستعمل بوتين كل قواه للتقدم في المعركة، ومنها السلاح النووي، لاستعادة ما خسره جغرافياً ومعنوياً، إلا أن رهانه على انكسار شعوب أوروبا، وصمود شعبه، لم يكن في محله، ولن يؤدي تجويع أوروبا أو حرمانها الطاقة، إلى إنهاء النزاع، بل إلى مزيد من المواجهة، والأعمال الحربية، التي تعمّق الخسائر، لأن استعمال النووي ليس دليل قوة بل استنفاد كل الإمكانات المتاحة قبل بلوغ الخط الأحمر الذي يعود بالضرر على الجميع. وربما يكون التصعيد مدخلاً إلى طلب مخارج سياسية تحد من الخسائر. كل هذه التطورات تقوّي واشنطن.